للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لهذا، فالآن لدينا مثالان، الفطرة والمسابقة في الثلاثة.

أما المسابقة في العلم: فنحن نعلم أن الدين الإسلامي قام بالجهاد باللسان والسنان، فهل تجوز المغالبة في العلم الشرعي بعوض أو لا تجوز؟

المشهور من المذهب أنها لا تجوز، وقالوا: إن النبي- صلى الله عليه وسلم- حصر "لا سبق إلا في" (١) وهذا حصر، والذين يذهبون إلى اعتبار المعاني، يقولون: تجوز المناضلة والمغالبة في العلوم الشرعية، واستدلوا بقصة أبي بكر رضي الله عنه مع قريش في قوله تعالى: {الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ} [الروم: ١ - ٤]، والذي غلب الرومَ، الفرسُ، والفرس قوم مشركون، ويميل إلى جانبهم المشركون من قريش، والروم أهل كتاب، ويميل إليهم المؤمنون، ويفرحون بانتصارهم على الفرس مع أنهم كفار، لكنهم أقرب إلى المؤمنين من الفرس في ذلك الزمن، لقوة الفرس في ذلك الوقت، قال المشركون: لا يمكن أن يغلب الروم الفرس، وقال أبو بكر رضي الله عنه: بل يمكن، فأبو بكر يصدق بالقرآن وأخباره، وهم لا يصدقون، فضربوا أجلًا عشر سنين، إن غلبت الفرس في هذه العشر فالسبق على أبي بكر، وإن غلبت الروم فالسبق على قريش، فأقر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذه المغالبة؛ لأنها علم شرعي تصديق بالقرآن وعدم تصديق.

واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بأن المغالبة في العلم بالسبق جائزة، لكن لينتبه لنقطة في هذه المسألة: إذا


(١) تقدم ص ٣٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>