للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شئت أن تمكثي تحت هذا العبد، وإن شئت أن تفارقيه" (١) فاختارت مفارقته، فحزن مغيث عليها وجعل يبكي وراءها في أسواق المدينة، يريد أن ترجع إليه، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: "ألا تعجبون من حب مغيث لبريرة وبغض بريرة لمغيث! "، ما جوابنا نحن؟ بلى: نعجب؛ لأن الغالب أن القلوب إذا تآلفت فهي تتآلف من الجانبين، "فقال النبي-صلي الله عليه وسلم-: "لو راجعته"، قالت: "يا رسول الله تأمرني"، ولم تقل إن كان أمرًا على سبيل الوجوب، "قال: إنما أنا شافع" قالت: "لا حاجة لي فيه" (٢)، هكذا، فصرح النبي -عليه الصلاة والسلام- بأن الأمر ليس للوجوب بل للمشورة، ولما قال: "إن الله فرض عليكم الحج فحجوا"، قال الأقرع بن حابس: يا رسول الله، أفي كل عام؟ قال: "لا" (٣).

فالحاصل: أن نقول: الأصل في الأمر الوجوب وأن تفعل ما أمرت، ولا تسأل وتتردد؛ لأن المسألة خطيرة إذا ترددت، قال الله عزّ وجل: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠)} [الأنعام: ١١٠]، أعاذنا الله من ذلك، وقال تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ} [ق: ٥] بعدها {فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ} [ق: ٥]، متقلب غير مستقر؛ لأنهم كذبوا


(١) هذا اللفظ لأحمد (٦/ ١٨٠) (٢٥٥٠٧) عن عائشة.
(٢) رواه البخاري، كتاب الطلاق، باب شفاعة النبي-صلي الله عليه وسلم- على زوج بريرة، حديث رقم (٤٩٧٩) عن ابن عباس.
(٣) رواه مسلم، كتاب الحج، باب فرض الحج مرة في العمر، حديث رقم (١٣٣٧) عن أَبي هريرة، والتصريح باسم الأقرع عند النسائي (٢٦٢٠)، وأحمد (١/ ٢٥٥) (٢٣٠٤) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>