الجواب: سبحان الله، كل شيء محتمل إذا بلغه أن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنه أتى لجميع الخلق وأن من خالفه هو في النار ومن وافقه هو في الجنة، يسمع هذا، لكن إذا أُخْبِرَ كذبًا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس بصادق وما أشبه ذلك، هذا قد يكون معذورًا خصوصًا إذا كان الذي أخبره ممن يعد من رؤسائهم في الدين، ولهذا لما أنكر عمر رضي الله عنه على الرجل الذي قرأ في سورة الفرقان خلاف ما كان يعرفه عمر أنكر آية من كتاب الله، ظانًّا أن الرجل أخطأ فيها، حتى ذهب إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: هكذا أنزل لقراءة الرجل وهكذا أنزل لقراءة عمر (١).
والمسألة هذه الناس فيها طرفان ووسط: طرف يغلو في التكفير ويُقْدِم على التكفير ويقول: لا يعذر بالجهل في أصل الدين، وهذا غير صحيح، قال الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٤٣) بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} [النحل: ٤٣ - ٤٤]، وقسمٌ آخر: لا يغلو في رفع التكفير حتى وإن كان الانسان في حال يحكم بكفره، والقول الوسط هو أن نقول: من لم تبلغه فهو معذور، ومن بلغته ولم يفهمها فهو معذور؛ لأن عدم الفهم كعدم العلم، لو أتى إليك إنسان أعجمي وقام يتكلم بأعجميته في شيء، هل تدري ما يقول؟ لا تدري ما يقول، هذا معذور، فالفهم شرط، يعني مجرد البلاغ لا يكفي، وأما قوله تعالى:{لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ}[الأنعام: ١٩]، فهل المعنى ومن وصل إليه وإن لم يفهمه، أو من بلغه فأدركه؟ الثاني هو المراد.
(١) رواه البخاري، كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم، باب ما جاء في المتأولين، حديث رقم (٦٥٣٧) عن عمر بن الخطاب.