فإن قال قائل: ينتقض هذا عليكم بقصة ذلك الرجل الذي جامع زوجته في رمضان (١)، وأتى يستفتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فإنه لا يدري ماذا عليه؟
الجواب: أن الرجل ليس جاهلًا، الرجل عالم بالحكم، لكنه جاهل بما يترتب على الحكم، والجهل بما يترتب على الحكم ليس بعذر؛ لأن الفاعل قد انتهك المحظور عن علم فليس له عذر، وعليه فيفرق بين الجهل بالحكم والجهل بما يترتب على الحكم.
ومثل ذلك لو أن رجلًا يعلم أن الزنا حرام فزنا وهو ثيب، فحده الرجم، فقال: أمسكوا، لو علم أن حده الرجم ما زنا، فنقول: لا نمسك؛ لأن الجهل بما يترتب ليس بعذر، أنت الآن فعلت الزنا معتقدًا أنه حرام وتعلم أنه حرام، فلا عذر لك.
ولهذا لو سألك سائل، قال: ما تقول فيمن زنا وهو جاهل أتقيم عليه الحد أم لا؟ إن قلت: لا، أخطأت، وإن قلت: نعم، أخطأت، فأقول: إن كان جاهلًا بالحكم فلا يقام عليه الحد، وإن كان جاهلًا بالعقوبة أقيم عليه الحد.
لو قال قائل: ذكرتم أن الجاهل يعذر ألا يشكل على هذا قصة أسامة رضي الله عنه لما قتل الرجل الذي قال: لا إله إلا الله، قتله إما جاهلًا وإما مجتهدًا ومخطأ، ومع ذلك غضب النبي -صلى الله عليه وسلم- غضبًا شديدًا، نرجو الجواب عن هذا؟
(١) رواه البخاري، كتاب الصوم، باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له شيء فتصدق عليه فليكفر، حديث رقم (١٨٣٤)، ومسلم، كتاب الصيام، باب تغليظ تحريم الجماع في نهار رمضان على الصائم ... ، حديث رقم (١١١١) عن أبي هريرة.