للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا لما قيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أتتوضأ؟ -من عمل عمله-.

قال: "إني لم أرد أن أصلي" (١) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، مما يدل علي أنه من المعلوم أنه لا وضوء إلا للصلاة، ولا شك أن هذا هو الأصل، وأن من ادعي أن غير الصلاة يجب الوضوء له فإن عليه الدليل، وإلا فالأصل أنه لا يجب إلا للصلاة.

فلننظر: مس المصحف اختلف فيه العلماء: هل تجب له الطهارة أو لا؟

فمنهم من قال: إن الطهارة واجبة لمس المصحف، واستدلوا بقوله تعالي: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} [الواقعة: ٧٩]، واستدل آخرون بقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكتاب الذي كتبه لعمرو بن حزم: "ألا يمس القرآن إلا طاهر" (٢).

فأما استدلال الأولين بقوله تعالي: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} [الواقعة: ٧٩] فإنه لا يستقيم؛ لأن الضمير في قوله: {لَا يَمَسُّهُ} ضمير المفعول به يعود إلي الكتاب المكنون، واقرأ: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (٧٧) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (٧٨) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (٧٩)} [الواقعة: ٧٧ - ٧٩] الضمير يعود إلي أقرب مذكور، وأقرب مذكور هو الكتاب المكنون، وأيضًا يقول: {الْمُطَهَّرُونَ} ولم يقل:


(١) رواه مسلم بلفظ: (أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج إلي الخلاء، فأتي بطعام فذكروا له الوضوء، فقال: "أريد أن أصلي فأتوضأ؟ ")، كتاب الحيض، باب جواز أكل المحدث الطعام وأنه لا كراهة، حديث رقم (٣٧٤) عن ابن عباس رضي الله عنهما.
(٢) رواه ابن حبان، كتاب التاريخ، باب كتب النبي - صلى الله عليه وسلم -، حديث رقم (٦٥٥٩)، والحاكم في المستدرك (١/ ٥٥٢) (١٤٤٧)، والدارقطني (١/ ١٢١) (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>