للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عنه، فيقول: "أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ماذا أحدثوا بعدك" (١) فيكون معنى قوله: {لَا عِلْمَ لَنَا}، أي: فيما حدث بعدنا، وهذا حق.

الوجه الثاني: {لَا عِلْمَ لَنَا} بما في بواطن الذين أجابوا؛ لأن من الذين أجابوا الرسل من كانوا منافقين لا تعلم الرسل ما في قلوبهم، وهذا أيضًا وجه قوي، فإن الرسل عليهم الصلاة والسلام لا يعلمون ما في قلوب الذين يظهرون اتباعهم، قال الله عزّ وجل: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} [محمد: ٣٠] , والمعرفة في لحن القول مبنية على قرينة ليس على شيء محسوس مقطوع به.

والوجه الثالث: {لَا عِلْمَ لَنَا} إلا ما علمتنا وأنت تعلم ماذا أجبنا؛ لأنك علام الغيوب، وهذا وإن كان له وجه لكنه ليس بذاك القوي، فأحسن ما يقال: أنه لا علم لنا بما حدث بعدنا، أو لا علم لنا بما في بواطن الأمور.

هناك وجه رابع: أنهم قالوا: لا علم لنا تأدبًا مع الله عزّ وجل، كما يقول التلميذ لأستاذه: ليس عندي علم؛ تأدبًا معه، وإن كان عنده علم، وكأن ابن جرير رحمه الله يميل إلى هذا القول، أي: إلى أن المعنى: أنهم يقولون: لا علم لنا؛ تأدبًا مع الله عزّ وجل؛ لأنهم يعلمون أن الله لم يسألهم استعلامًا؛ لأنه عالم.


(١) رواه البخاري، كتاب التفسير، باب سورة المائدة، حديث رقم (٤٣٤٩)، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، حديث رقم (٢٨٦٠) عن ابن عباس.

<<  <  ج: ص:  >  >>