للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقوله: {إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} جملة استئنافية تبين أنهم وَكلُوا العلم إلى عالمه عزّ وجل وهو الله تبارك وتعالى، والغيوب: جمع غيب، و "إنَّ": تنصب الاسم وترفع الخبر والكاف اسمها و "علَّام" خبرها وهو مضاف إلى الغيوب، "أنت" هنا، هل نقول: إنها توكيد للكاف في "إنك" أو نقول: هي ضمير فصل لا محل له من الإعراب، أو نقول: إنها مبتدأ وخبره علام؟ كل هذا محتمل، وأوجه الإعراب كثيرة، ولهذا يقولون: إن حجج النحويين كنافقاء اليرابيع، النافقاء: جُحر اليربوع، واليربوع ذكي يحفر له جحرًا في الأرض، ويمضي فيه ثم يحفر في آخره، إلى فوق، حتى إذا لم يبقَ إلا قشرة رقيقة تركها باقية فإذا سد عليه أحد الباب، وإذا النافقاء يسهل الخروج منها فيخرج من النافقاء، فيقولون: إن النحويين كما حجرتهم من جهة قلت: هذا لا يصح؛ أتوا بوجه آخر ولو كان الاحتمال بعيدًا، ولذلك لا يغلب النحوي القوي في النحو أبدًا لأنه يستطيع كما أتيت له بحجة، أتى لك بما يسوِّغ قوله.

فنقول: كلمة "أنت" إما تكون ضمير فصل أو توكيدًا للكاف أو مبتدأ، وخبره "علَّام" وعليه جملة المبتدأ والخبر تفيد الحصر؛ لأن الجملة إذا صار طرفاها معرفتين أفادت الحصر، لكن ضمير الفصل أقوى في الحصر.

وقوله: {عَلَّامُ الْغُيُوبِ} هذه صيغة مبالغة بمعنى: أنه عزّ وجل ذو علم بالغ بالغيوب، والغيوب جمع غيب، وهو ما يختفي على الخلق فالله جلَّ وعلا علام الغيوب، {وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٧٥)} [النمل: ٧٥] , يعلم حتى ما لم يكن كيف يكون، كما يعلم الموجود الذي يكون غائبًا عن الخلق عزّ وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>