فهذه الآيات الكونية تدل على " أن هذا العالم البديع المحكم والمصنوع المتقن، الذي يسير بنظام وإحكام، لا يجوز في مقتضيات العقول الصحيحة أن يكون أمره عبثاً، ولا أن يكون بناؤه بطالاً، ويستحيل عقلاً أن يكون ليس وراءه حكمة عليا هي نتيجة لحكمة خلقه ونشأته، بل لا بد وأن هناك نشأة أخرى وراءه هذه النشأة، تظهر فيها نتائج التكاليف الشرعية، ويميز الله تعالى فيها الخبيث من الطيب والصالح من الطالح، والمسيء من المحسن ولولا تلك النشأة الآخرة لضاعت حكمة خلق هذا العالم، ولكان أمره عبثاً باطلاً: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (١٩١)} (آل عمران (١٩١) بل ولولا حقيقة الآخرة لضاعت حكمة الشرائع الإلهية الحكيمة القويمة، لأنه حينئذ يتساوى الحق والباطل، والعدل والظلم، والفساد والصلاح، وهذا أمر باطل محال كإحالة وبطلان تساوي الظلمة والنور والعمى والبصر، والجهل والعلم، والأحياء والأموات، وإلى هذا نبه الله سبحانه وتعالى العقلاء فقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (٨٥)} (الحجر (٨٥)، وقال: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨)} (الدخان (٣٨)، وقال: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)} (ص (٢٧) "(١)،