للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلْ هذه الكواكب العظيمة الخلق " من الذي خلقها وأحسن خلقها، ورفع مكانها، وزين بها قبة العالم وفاوت بين أشكالها ومقاديرها، وألوانها وحركاتها وأماكنها من السماء، وأنت إذا تأملت أحوال هذه الكواكب وجدتها تدل على المعاد كما تدل على المبدأ وتدل على وجود الخالق وصفاته وكماله وربوبيته وحكمته ووجدانيته أعظم دلالة، فكما جعل الله النجوم هداية في طريق البر والبحر، فهي هداية في طريق العلم بالخالق سبحانه وقدرته وعلمه وحكمته، والمبدأ والمعاد والنبوة " (١).

ومن أعجب آيات الله الكونية الدالة على المعاد: الليل والنهار، قال الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ} (فصلت (٣٧)، " فانظر إلى هاتين الآيتين وما تضمنتاه من العبر والدلالات على ربوبية الله وحكمته كيف جعل الليل سكناً ولباساً، يغشى العالم فنسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم فيه النفوس، وتستريح من كد السعي والتعب، حتى إذا أخذت منه النفوس راحتها وسبتها وتطلعت إلى معيشتها وتصرفها، جاء فالق الإصباح سبحانه وتعالى النهار يقدم جيشه بشير الصباح، فهزم تلك الظلمة ومزقها كل ممزق، وكشفها عن العالم، فإذا هم يبصرون، فانتشر الحيوان وتصرف في معاشه ومصالحه وخرجت الطيور من أوكارها، فيا له من معاد ونشأة دال على قدرة الله سبحانه على المعاد الأكبر" (٢).


(١) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن، دار المعرفة - بيروت، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، ص (٢٨٤).
(٢) ابن القيم: مفتاح دار السعادة، دار الكتب العلمية، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (٢٠٣)

<<  <   >  >>