للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى": أي: إحياء كمثل هذا الإحياء (١)، الذي تشاهدونه وترونه واقعاً، ولا تدرون كيف وقع، ومثل هذا اليسر الذي لا مشقة فيه ولا عسر، إن المسافة بين طبيعة الموت، وطبيعة الحياة مسافة هائلة قدير الرؤوس، ولكنها في حساب القدرة الإلهية أمر يسير، كيف؟ هذا مالا أحد يدريه، ولا يمكن لأحد إدراكه، إن إدراك الماهية الكيفية هنا سر من أسرار الألوهية، لا سبيل إليه في عالم الفانين، وإن كان في طوق العقل البشري إدراك دلالته والاتعاظ بهما (٢)

(ج): وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (٢٤٣)} [البقرة:٢٤٣].

أخبر الله تعالى أن أهل هذه القرية خرجوا من ديارهم ومنازلهم فارين من الطاعون. وقيل: من الجهاد في سبيل الله، فنزلوا وادياً أفيح، فملؤوا ما بين عدوتيه، فأرسل الله إليهم ملكين أحدهما من أسفل الوادي، والآخر من أعلاه، فصاحا بهم صيحة واحدة، فماتوا عن آخرهم موتة رجل واحد فميزوا إلى حظائر، وبنا عليهم جدران وقبور وفنوا وتمزقوا، فلما كان بعد دهر، مر بهم نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له: حزقيل، فسأل الله أن يحييهم على يديه، فأجابه وأمره أن يقول: أيتها العظام البالية، إن الله يأمرك أن تجتمعي، فاجتمع عظام كل جسد بعضها إلى بعض، ثم أمره فنادى: أيتها العظام إن الله يأمرك بأن تكتسي حلماً وعصباً وجلداً، فكان ذلك وهو يشاهده، ثم أمره فنادى: أيتها الأرواح إن الله يأمرك أن ترجع كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره، فقاموا أحياء ينظرون قد أحياهم الله بعد رقدتهم الطويلة (٣)


(١) الشوكاني: فتح القدير، دار ابن كثير - دمشق، ط ١ - ١٤١٤ هـ (١/ ١١٨).
(٢) سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق - بيروت، القاهرة، ط ١٧ - ١٤١٢ هـ (١/ ٨٠).
(٣) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ت: سامي سلامة (١/ ٦١١).

<<  <   >  >>