للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد تتبع الإمام الغزالي حجج الفلاسفة في إنكارهم حشر الأجساد، وإنكارهم اللذات الجسمانية في الجنة، والآلام الجسمانية في النار، وإنكار وجود جنة أو نار، ورد عليها وفندها، والسبب الذي حملهم على إنكار هذه الأمور هو استحالتها بالدليل العقلي، فطالبهم بإظهارها، ثم رد عليها في كتابه "تهافت الفلاسفة" (١).

واحتجوا في إنكارهم لحشر الأجساد، ببعض الشبه العقلية منها:

١ - استحالة إعادة المعدوم.

٢ - استحالة عدم تناهي الأبعاد.

أما دليلهم الأول: وهو استحالة إعادة المعدوم، فيجاب عنه بأوجه:

الأول: أنه لا دليل على امتناع إعادة المعدوم، بل الدليل دل على إمكانه.

الثاني: أن المعاد ممكن التحقق لتحققه في المبتدأ، والله جل وعلا يقول: ... { ... كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩)} [الأعرف:٢٩].

الثالث: أن إعادة المعدوم يراد منه: إعادة الأجزاء إلى ما كانت عليه من التأليف والحياة ونحو ذلك.

الرابع: أن هذا مبني على قاعدتين وهميتين، وهما: إنكار القدرة، وإنكار العلم بالجزئيات، وعليهما بنى منكر وحشر الأجساد من الفلاسفة، ولذا فالقرآن قرر المعاد بهذه الأصول وهي كمال القدرة، وكمال العلم، وكمال الحكمة الإلهية (٢).

وأما دليلهم الثاني: وهو استحالة عدم تناهي الأبعاد، والقائلون به على جهتين:

- منهم من قال: الإنسان قديم بالنوع، والنفوس الناطقة غير متناهية كالأبدان، فلو قيل بالحشر الجسماني يلزم اجتماع تلك الأبدان غير المتناهية في الوجود، إذ لا بد لكل نفس من بدن مستقل، فيلزم بعد غير متناه، لتجتمع فيه تلك الأبدان غير المتناهية.

- ومنهم من قال: إن الإنسان أفراده غير متناهية، والعناصر متناهية فأجزاؤها لا تفي بتلك الأبدان فكيف يحشر؟ (٣).


(١) الغزالي: تهافت الفلاسفة ص (٢٩٤)، عبد الرحمن بدوي: الفلسفة والفلاسفة ص (١٣٩).
(٢) التفتازاني: شرح المقاصد (٢/ ٢١٣)، ابن المنير: الاتصاف فيما تضمنه الكشاف، مطبوع مع كتاب الكشاف (٣/ ٣٢)، أبو جعفر الغرناطي: ملاك التأويل (٢/ ٣٩٧)
(٣) الألوسي: روح المعاني، دار الكتب العلمية - بيروت ن ط ١ ١٤١٥ هـ (١٢/ ٦٠)

<<  <   >  >>