للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والآيات القرآنية الكريم شواهد على وجودية الموت، فإضافة المجيء والحضور إلى الموت دليل على وجوديته، كما قال جل وعلا: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩)} [المؤمنون:٩٩]، وقوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ} [البقرة:١٣٣]. وثبت في السنة أن الموت يؤتى بصورة كبش أملح فيذبح (١)، وهذا صريح في كونه أمراً وجودياً. وذكر ابن عادل في تفسيره عن ابن الخطيب في الموت: أنه وجودي، ويوافقه ما نقله الصفوي عن صاحب الودّ: أن عدمية الموت كانت منسوبة إلى القدرية ففشت، ولذا قال ابن المنير تعقيباً على الزمخشري:"أخطأ في تفسير الموت .. أن الموت عدم، وهو خطأ صراح" (٢).

ويُشار في هذا المقام: أن الإمام ابن تيمية ذكر في الأمور الوجودية التي تعلم بالحس كالحركة وغيرها كالحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر، أنها أمور وجودية، فلا يلزم في مثل هذه الأمور الوجودية أن يكون ما يقابلها هو ضد ما ينافيها، أو عدمها من محلها؛ لأنه قد يكون عدم الشيء مستلزماً لأمر وجودي مثل الحياة مثلاً، فإن عدم الحياة مثلا، مستلزماً لأعراض وجودية ثم ذكر أن تنازع الناس في الموت: هل هو عدمي أو وجودي؟ نزاع لفظي ووجهه: أن من يقول بأن الموت وجودي، يحتج بقوله تعالى {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ}، فأخبر أنه خلق الموت كما خلق الحياة، ومنازعه يقول: العدم الطارئ يخلق كما يخلق الوجود، أو يقول: الموت المخلوق هو الأمور الوجودية اللازمة لعدم الحياة، وحينئذ يكون النزاع لفظيا (٣).


(١) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الجنة وصفة نعيمها ح (٢٨٤٩).
(٢) ابن عادل: اللباب (١٩/ ٢٢٤)،ابن المنير: الانتصاف، مطبوع ضمن كتاب الكشاف، (٤/ ٥٧٥).
(٣) ابن تيمية: درء تعارض العقل والنقل ـ (٢/ ٣٨٣ - ٨/ ٣٣٤ بتصرف).

<<  <   >  >>