للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه يمكن أن يفسر الموت على هذا: بأن أخذ القوى والطاقات أمر وجودي؛ لأنه فعل وحركة، وإن كانت نتيجته عروض حالة عدمية على الإنسان، وأن الموت بما أنه انتقال من مرحلة إلى مرحلة أخرى، ومن حياة دانية إلى حياة عالية، فهو بهذا المعنى وجودياً ليس عدمياً (١).

ومما يوضح مسألة وجودية الموت، ويجعلها صورة ظاهر في الذهن، ذلك حين ينظر الإنسان إلى "موت أبسط الأحياء وهو النبات، فإنه يظهر لنا نظاماً دقيقاً وإبداعاً للخلق ما هو أعظم من الحياة نفسها أنظم منها، فموت الثمار والبذور والحبوب الذي يبدو ظاهراً تفسخاً وتحللاً في الحقيقة هو عبارة عن عجن لتفاعلات كيماوية متسلسلة في غاية الانتظام، وامتزاج لمقادير العناصر في غاية الدقة والميزان، وتركيب وتشكيل للذرات بعضها ببعض في غاية الحكمة والبصيرة، بحيث إن هذا الموت الذي لا يرى، وفيه هذا النظام الحكيم والدقة الرائعة، هو الذي يظهر بشكل حياة نامية للسنبل والنبات الجديدة، أزهاراً وأثماراً، بل هو بمثابة عين حياته الجديدة، فهذا الموت إذن مخلوق منتظم كالحياة، وكذلك فإن ما يحدث في معدة الإنسان من موت لثمرات حية، أو غذاء حيواني هو في حقيقة بداية ومنشأ لصعود ذلك الغذاء في أجزء الحياة الإنسانية الراقية، فذلك الموت إذن مخلوق أكثر انتظاماً من حياة تلك الأغذية.

فلئن كان موت النبات - وهو في أدنى طبقات الحياة - مخلوقاً منتظماً بحكمة، فكيف بالموت الذي يصيب الإنسان وهو في أرقى طبقات الحياة فلا شك أن موته هذا سيثمر حياة دائمة في عالم البرزخ تماماً كالبذرة الموضوعة تحت التراب، والتي تصبح موتها نباتًا رائعاً في الجمال والحكمة في عالم الهواء " (٢).

ثانياً: اختلف الناس في الموت هل هو عرض أم جسم؟


(١) السبحاني: مفاهيم القرآن، مؤسسة الإمام الصادق، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٨/ ١٥٩).
(٢) انظر: مقال أ. د. مصطفى بنحمزة، بعنوان (فلسفة الموت عند بديع الزمان النوري) في مجلة حرا ء العدد ٢ يناير - مارس ٢٠٠٦ م

<<  <   >  >>