للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذا فالتفريق بين أخبار والمتواترة والآحاد في العمل، والقول بأن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال، وأنه"لا بد من نقله بالتواتر لوقوع العلم به شيء اخترعته القدرية والمعتزلة، وكان قصدهم منه رد الأخبار، وتلقفه بعض الفقهاء، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول" (١).

والعجيب أن الفرق التي تفرق بين أخبار التواتر والآحاد في العمل، تجدها مع اختلاف طرائقها وعقائدها، تستدل كل فرقة منهم على صحة ما تذهب إليه بأخبار الآحاد.

ولذا إذا قلنا: "إن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم، حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين مشتغلين بما لا يفيد أحداً شيئاً ولا ينفعه، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور ما لا يجوز الرجوع إليه، والاعتماد عليه، وربما يرتقي هذا القول إلى أعظم من هذا، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أدى هذا الدين إلى الواحد، فالواحد من أصحابه ليؤدوه إلى الأمة، فإذا لم يقبل قول الراوي، لأنه واحد، رجع هذا العيب إلى المؤدِّي - نعوذ بالله من هذا القول الشنيع والاعتقاد القبيح - " (٢).

وقد ذكر الإمام أبو عمرو الداني في رسالته الوافية في اعتقاد أهل السنة:" قولهم: إن من تمام السنة وكمالها، قبول خبر الواحد والاستمساك به والعمل بموجبه من الصحابة من الرجال والنساء، إذا حدَّث به الثقة المعروف عن مثله إلى أن يتصل الإسناد بالصحابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك إذا لم يعارضه خبر مثله، ولا نسخه أثر، ولا اتفق الجميع على ترك استعماله" (٣).

وهذا الذي ذكره الإمام أبو عمرو الداني في قبول أخبار الآحاد، هو الذي اتفق عليه الأئمة، إلا أنه أشار إلى موجبات رد خبر الثقة، وقد أشار إليها الإمام الخطيب البغدادي، فقال:" إذا روى الثقة المأمون خبراً متصل الإسناد رد بأمور:


(١) الأصبهاني: الحجة في بيان المحجة، دار الراية - الرياض، ط ٢ - ١٤١٩ هـ (٢/ ٢٢٨)
(٢) الأصبهاني: الحجة في بيان المحجة، دار الراية - الرياض، ط ٢ - ١٤١٩ هـ (٢/ ٢٣٠)
(٣) أبو عمرو الداني: الرسالة الوافية، دار الإمام أحمد - الكويت ن ط ١ ١٤٢١ هـ، ص (٢٣٤).

<<  <   >  >>