للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - قال المنكرون: قد ثبت في العقل يقيناً وقطعاً، أن الميت لا يحس ولا حياة فيه، وأن الألم في وصوله وحصوله، إنما هو مقيد مشروط بالحياة، فإذا عدمت الحياة زال الإحساس، وبطل العذاب، ومثل هذا لا يقبل بأحاديث الآحاد.

الرد: أولاً: أن مثل هذا الكلام لا يقابل الأخبار الواردة الصحيحة الصريحة فيوقفها ولا تُترك لأجله.

ثانياً: أن الذي جاء بإثبات هذا الأمر هو الذي جاء بالصلوات الخمس وغيرها، وليس لنا طريق إلا ما نقلوه من ذلك.

ثالثاً: أن هذا من أمور الغيب التي يجب التصديق والإيمان بها، ولا قياس أو مقارنة بين الدنيا والآخرة، ولذا لو أن الله جل وعز أطلع الناس على العذاب لأدى إلى مفاسد منها: عدم التدافن، إذ أن سماع أصوات المعذبين يؤدي لذلك، ويؤيد ذلك الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُبْتَلَى فِي قُبُورِهَا، فَلَوْلَا أَنْ لَا تَدَافَنُوا، لَدَعَوْتُ اللهَ أَنْ يُسْمِعَكُمْ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الَّذِي أَسْمَعُ مِنْهُ» (١).

ومعنى قوله: (لولا أن لا تدافنوا): أي: أنهم لو سمعوا عذاب القبر ... لتركوا التدافن حذراً من عذاب القبر، أو لاشتغل كل بخويصته، حتى يقضي بهم إلى ترك التدافن (٢).

فالمانع من الدعاء: هو الخوف والحيرة والدهشة وانخلاع القلب، وقيل: المانع ترك الإعانة في التدافن (٣).


(١) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلا، باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ح (٢٨٦٧)، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ت: محمد فؤاد عبد الباقي.
(٢) المناوي: فيض القدير، المكتبة التجارية الكبرى - مصر، ط ١ ١٣٥٦ هـ (٥/ ٣٤١)
(٣) علي القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (١/ ٢٠٨).

<<  <   >  >>