للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا فيه إشارة كما يقول الحافظ ابن حجر:" إلى أن الجنة يقع امتلاؤها بمن ينشئهم الله لأجل ملئها، وأما النار فلا ينشئ لها خلقاً، بل يفعل فيها شيئاً عبر عنه بما ذُكر، يقتضي لها أن ينضم بعضها إلى بعض، فتصير ملأى، ولا تحتمل مزيداً" (١).

وهذا هو الوارد الصحيح في السنة، وهو دال على كرم الله وفضله وعدله بخلاف ما رواه الإمام البخاري في صحيحه من رواية انقلبت على راويها يقول فيها: «وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَوْنَ فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، ثَلَاثًا، حَتَّى يَضَعَ فِيهَا قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ، وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ «(٢).

وقد نص الأئمة على انقلاب الحديث على الراوي، وأن الصحيح العكس ولذا قال الإمام ابن تيمية:" ووقع في بعض طرق البخاري غلط قال فيه: «وأما النار فيبقى فيها فضل»، والبخاري رواه في سائر المواضع على الصواب ليبيّن غلط هذا الراوي" (٣).

وقال الإمام أبو الحسن القابسي:" المعروف في هذا الموضع أن الله ينشئ للجنة خلقاً، وأما النار فيضع فيها قدمه، ولا أعلم في شيء من الأحاديث: «أنه ينشئ للنار خلقاً «إلا هذا " (٤).

وقال الإمام ابن القيم:" وأما الحديث الذي قد ورد في صحيح البخاري من قوله: «وأما النار فينشئ الله لها خلقاً آخرين»، فغلط وقع من بعض الرواة انقلب عليه الحديث، وإنما هو ما ساقه البخاري في الباب نفسه: «وأما الجنة فينشئ الله لها خلقاً آخرين»، ذكره البخاري رحمه الله مبيناً أن الحديث انقلب لفظه على من رواه، بخلاف هذا" (٥).


(١) ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ هـ (٨/ ٥٩٧)
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب التوحيد: ح (٧٤٤٩) دار طوق النجاة، ط ١ ١٤٢٢ هـ.
(٣) ابن تيمية: منهاج السنة النبوية، جامعة الإمام محمد بن سعود، ط ١ ١٤٠٦ هـ (٥/ ١٠١)
(٤) ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ هـ (١٣/ ٤٣٦)
(٥) ابن القيم: حادي الأرواح، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٠٣ هـ، ص (٣٦٦)

<<  <   >  >>