للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبانت هذه الآية الكريمة من المستحق لعمارة المساجد، وهو من اتصف بجملة من الصفات، ابتدأها بقوله: {مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ} وهو شرط فيمن يعمر المسجد؛ لأن المسجد موضع يعبد الله فيه، فمن لم يكن مؤمناً بالله امتنع أن يعمر موضعاً يعبد الله فيه. ثم قال: {وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}: يعني: وآمن باليوم الآخر، وأنه حق كائن؛ لأن عمارة المسجد لأجل عبادة الله، وجزاء أجره إنما يكون في الآخرة، فمن أنكر الآخرة لم يعبد الله، ولم يعمر له مسجداً (١). ويقول الإمام الرازي:" وإنما قلنا: إنه لا بد من أن يكون مؤمناً بالله واليوم الآخر؛ لأن الاشتغال بعبادة الله تعالى، إنما تفيد في القيامة، فمن أنكر القيامة، لم يعبد الله، ومن لم يعبد الله، لم يبن بناء لعبادة الله تعالى" (٢).

وأورد الإمام ابن الجوزي سؤالاً مفاده:" فإن قيل: قد يعمر مساجد الله من ليس فيه هذه الصفات؟

فالجواب: أن المراد أنه من كان على هذه الصفات المذكورة، كان من أهل عمارتها، وليس المراد: أن من عمرها كان بهذه الصفة" (٣).

٦ - يقول الله تعالى: {لَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (٤٤) إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ (٤٥)} [التوبة:٤٤ - ٤٥].


(١) الخازن: لباب التأويل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١٥ هـ (٢/ ٣٤٢)
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (١٦/ ١٠)
(٣) ابن الجوزي: زاد المسير، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٢/ ٢٤٣)

<<  <   >  >>