للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأي زاجر أعظم من زاجر القرآن، والله جل وعلا يقول: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ (٤٥)} [ق:٤٥] فالقرآن الكريم لما ذكر آيات الربا، وأبان خطورته، أردفه بقوله تعالى مذكراً بيوم الرجوع إلى الله، فقال: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٢٨١)} [البقرة:٢٨١] وقال في آية أخرى محذراً من مغبة الوقوع والانغماس في الربا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١)} [آل عمران:١٣٠ - ١٣١]، يقول العلامة الخازن في تفسره:" {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٣٠)} أي لكي تسعدوا بثوابه في الآخرة؛ لأن الفلاح يتوقف على التقوى , فلو أكل ولم يتق , لم يحصل الفلاح. وفيه دليل على أن أكل الربا من الكبائر , ولهذا أعقبه بقوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (١٣١)} " (١).

ووصف الكفر في الآية، محمول على من استحل شيئاً مما حرمه الله جل وعلا، فإن من استحل شيئاً مما حرمه الله تعالى، فهو كافر بالإجماع ويستحق النار بذلك.

قال ابن عباس: هذا تهديد للمؤمنين، أن يستحلوا ما حرم الله عليهم من الربا وغيره، مما أوجب الله فيه النار (٢).

و) يقول الله عز وجل: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (٨٣)} [القصص:٨٣].

التعاظم، والتكبر، والتجبر، والفساد في الأرض، من خصال أهل الطغيان الذين ليس لهم في الآخرة أمان، لذلك أدبهم القرآن الكريم بآدابه وزجرهم بزواجره، ووعظهم بمواعظه، فقال: يا معاشر المتكبرين المتجبرين، فقط لكم ولأمثالكم هذه الدار الفانية.


(١) الخازن: لباب التأويل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١٥ هـ (١/ ٢٩٦)
(٢) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (٤/ ٢٠٢)، ابن عادل: اللباب في علوم الكتاب،: (٥/ ٥٣٣)

<<  <   >  >>