للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أن " الأصل في السمعيات كلام الله تعالى، وهو مستند قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن لا يثبت كلام الله تعالى، إلا من جهة من يثبت صدقه بالمعجزة إذا أخبر عن كلام الله تعالى، فمال السمع إلى كلام الله تعالى، وهو متلقى من جهة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومستند الثقة بالتلقي منه، ثبوت صدقه، والدال على صدقه المعجزة " (١). ومعنى هذا: أن السمعيات لا تعتبر ما لم تأت من جهة الرسول، ولا بد في إثبات السمعيات من إثبات صدق الرسول، ولا يثبت صدق الرسول إلا بتقرير أمور تسبق إثباته، وهي ما تُعرف عند المتكلمين بالإلهيات.

ولذا لما عدَّ إمام الحرمين مدارك العلوم الثلاثة وهي: العقول، والمعجزات والسمعيات، قال: " والتحقيق في ذلك يستدعي تقديم أصلين، ثم بعدهما نعد السمعيات " (٢).

الثاني: ظنهم أن هذه الطريقة في التأليف - التي انفردوا بها - موافقة لطريقة القرآن الكريم. وذلك أن الله سبحانه وتعالى " قال في صدر سورة البقرة - بعد أن صنَّف الخلق ثلاثة أصناف: مؤمن وكافر ومنافق - فقال بعد ذلك: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٢١)} [البقرة:٢١] وذكر آلاءه التي تتضمن نعمته وقدرته، ثم اتبع لك بتقرير النبوة بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:٢٣]. والمتكلم يستحسن مثل هذا التأليف ويستعظمه، حيث قررت الربوبية ثم الرسالة ويظن أن هذا موافق لطريقته الكلامية في نظره في القضايا العقليات أولا: من تقرير الربوبية، ثم تقرير النبوة، ثم تلقي السمعيات من النبوة، كما هي الطريقة المشهورة الكلامية للمعتزلة، والكرامية، والكلابية، والأشعرية " (٣)


(١) الجويني: البرهان في أصول الفقه: ص (٣٤).
(٢) الجويني: البرهان في أصول الفقه: ص (٣٣).
(٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: (٢/ ٧).

<<  <   >  >>