للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن الإيمان باليوم الآخر، له أكبر الأثر على النفس البشرية في تحمل أعباء الطاعة، بل والتلذذ بها، يقول الإمام ابن كثير في تاريخه في ترجمة روح بن زنباع: "وقد حج مرة، فنزل على ماء بين مكة والمدينة، فأمر فأصلحت له أطعمة مختلفة الألوان، ثم وضعت بين يديه، فبينما هو يأكل، إذ جاء راع من الرعاة يرد الماء، فدعاه روح بن زنباع إلى الأكل من ذلك الطعام، فجاء الراعي فنظر إلى طعامه، وقال: إني صائم، فقال له روح: في مثل هذا اليوم الطويل الشديد الحر تصوم يا راعي؟ فقال الراعي: أفأغبن أيامي من أجل طعامك؟ ثم إن الراعي ارتاد لنفسه مكاناً فنزله، وترك روح بن زنباع، فقال روح بن زنباع:

لقد ضننت بأيامك يا راع إذ جاد بها ورح بن زنباع

ثم إن روحاً بكى طويلاً، وأمر بتلك الأطعمة فرفعت، وقال: انظروا هل تجدون لها آكلاً من هذه الأعراب، أو الرعاة؟ ثم سار من ذلك المكان، وقد أخذ الراعي بمجامع قلبه، وصغرت إليه نفسه" (١).

ويقول الإمام ابن رجب وهو يحكي حال بعض الصالحات، من صاحبات علو الهمة في الطاعة:" كانت بعض الصالحات، تتوخى أشد الأيام حراً فتصومه، فيقال لها في ذلك، فتقول: إن السعر إذا رخص اشتراه كل أحد تشير إلى أنها لا تؤثر إلا العمل، الذي لا يقدر عليه إلا قليل من الناس لشدته عليهم، وهذا من علو الهمة " (٢).

وقد بلغ الحال في علو الهمة عند الأكابر أنه لو قيل لأحدهم: إنك غداً تموت، أو إن القيامة غداً ما ازداد من عمله؛ لأن حياته كلها مليئة بأنواع الخيرات، وصنوف الطاعات.


(١) ابن كثير: البداية والنهاية، دار إحياء التراث العربي، ط ١ ١٤٠٨ هـ، (٩/ ٦٨).
(٢) ابن رجب: لطائف المعارف، دار ابن حزم، ط ١ ١٤٢٤ هـ، ص (٣٢٢).

<<  <   >  >>