للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن عقيدة اليوم الآخر والمعاد، عقيدة حق لا ريب فيها، جاءت نصوصها متوافرة متضافرة في الكتاب والسنة، دونما أي إشارة إلى نظرية الجوهر الفرد. في حين بنى المتكلمون هذه العقيدة على نظرية الجوهر الفرد، فخالفوا بذلك الحس والعقل والقرآن، حين زعموا: أن أحدا لا يعلم حدوث عين من الأعيان بالمشاهدة، ولا بضرورة العقل، وأنما يعلم ذلك بالاستدلال ويقولون: لا يشهد أن الله تعالى أحدث في هذا العالم شيئا من الجواهر، وإنما أحدث تأليفها وتركيبها فقط، قالوا: وكذلك المعاد، لأنه سبحانه يفرق أجزاء العالم، وهو إعدامه ثم يُؤلفها ويجمعها، وهو المعاد.

وهم بهذا خالفوا جمهور العقلاء من الطوائف حين قالوا: " بأن الرب جل وعلا، لا يزال يحدث الأعيان، كما دل على ذلك الحس والعقل والقرآن. فإن الأجسام الحادثة بالمشاهدة، ذواتها وأجزاؤها حادثة بعد إن لم تكن جواهر مفرقة فاجتمعت، ومن قال غير ذلك فقد كابر الحس والعقل، فإن كون الإنسان والحيوان مخلوقا محدثا كائنا بعد أن لم يكن، أمر معلوم بالضرورة لجميع الناس، وكل أحد يعلم أنه حدث في بطن أمه بعد أن لم يكن، وأن عينه حدثت كما قال الله تعالى: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩)} [مريم:٩]، وليس هذا عندهم مما يستدل عليه، بل يستدل به، كما هي طريقة القرآن، فإنه جعل حدوث الإنسان وخلقه دليلا لا مدلولا عليه " (١).

وخلاصة الأمر كما يقول الإمام ابن تيمية: " ومعلوم أن أكثر العقلاء من بني آدم، لا يتصور الجوهر الفرد، والذين يتصورونه أكثرهم لا يثبتونه والذين أثبتوه إنما يثبتونه بطرق خفية طويلة بعيدة، فيمتنع أن يكون اللفظ الشائع في اللغة التي ينطق بها خواصها وعوامها، أرادوا به هذا. وقد علم بالاضطرار، أن أحدا من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، لم ينطق بإثبات الجوهر الفرد ولا بما يدل على ثبوته عنده، بل ولا العرب قبلهم، ولا سائر الأمم الباقين على الفطرة، ولا أتباع الرسل " (٢).


(١) ابن القيم: مفتاح دار السعادة: (٢/ ١٩٩).
(٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجموع الفتاوى: (١٧/ ٣٢١).

<<  <   >  >>