للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كفر " الإنسان بهذا الركن من أركان الإيمان، يستلزم كفره بحكمة ربه وعدله في خلقه، وكفره بنعمته بخلقه في أحسن تقويم، وتفضيله على أهل علله (الأرض)، حيث سخرها وكل ما فيها لمنافعه ... ، ومن لوازم هذا الكفر والجهل كله، احتقاره لنفسه باعتقاده أنه خلق عبثا لا لحكمة بالغة، وأن وجوده في الأرض موقوت محدود بهذا العمر القصير، المنغص بالهموم والمصائب والظلم والبغي والآثام، وأنه يترك سدى لا يجزى كل ظالم من أفراده بظلمه وكل عادل بعدله وفضله، وإذ كان هذا الجزاء غير مطرد في الدنيا لجميع الأفراد تعين أن يكون جزاء الآخرة هو المظهر الأكبر للعدل العام " (١).

وقد تباينت ألفاظ العلماء في التعبير عن سر هذا التخصيص، مع اتفاقهم على ... المعنى العام الذي أشرنا إليه:

قال الإمام النسفي في سر هذا الاقتران: " لأن حاصل المسائل الاعتقادية يرجع إلى مسائل المبدأ، وهي العلم بالصانع وصفاته وأسمائه ومسائل المعاد وهي العلم بالنشور، والبعث من القبور، والصراط، والميزان، وسائر أحوال الآخرة " (٢).

وقال الإمام أبو حيان: " وذكر الإيمان بالله لأنه ... هو الذي يحصل به التخويف، وتجنى فيه ثمرة مخالفة النهي " (٣)، وقال في موضع آخر: وذكر اليوم الآخر؛ لأن فيه ظهور آثار عبادة الله من الجزاء الجزيل " (٤).

وقال العلامة علي القاري: " تخصيص اليوم الآخر بالذكر دون شيء من مكملات الإيمان بالله ; لأن الخير والمثوبة، ورجاء الثواب والعقاب، كلها راجعة إلى الإيمان باليوم الآخر، فمن لا يعتقده لا يرتدع عن شر، ولا يقدم على خير " (٥).

ففي تخصيص ذكر الإيمان باليوم الآخر؛ تنبيه وإرشاد؛ لإيقاظ النفس وتحرك الهمم؛ للمبادرة والامتثال (٦).


(١) محمد رشيد رضا: تفسير المنار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، ١٩٩٠ م (١١/ ١٧٥).
(٢) النسفي: مدارك التنزيل: (١/ ٤٧).
(٣) أبو حيان: البحر المحيط: (٢/ ٤٩٥).
(٤) أبو حيان: البحر المحيط: (٣/ ٣١٢).
(٥) القاري: مرقاة المفاتيح: (٧/ ٢٧٣١).
(٦) المناوي: فيض القدير: (٦/ ٢٠٩).

<<  <   >  >>