النجاسة فقال: "إزالة النجاسة معقولة المعنى، لأن الغرض منها إزالة العين، لكن بمزيل مخصوص، فقد جمعت عقل المعنى وضربا من التعبّد؛ كالعدة جمعت بين براءة الرحم والتعبد، حتى صارت على الصغيرة واليائسة اللتين تحقق براءة رحمهما قطعا، ولا سيما ومنها غرض ناجز: وهو النظافة فيستقل به، وليس في الوضوء غرض ناجز إلا مجرد التعبد، بدليل لو أنّه أكمل الوضوء وأعضاؤه تجري بالماء، وخرج منه ريح بطل وضوؤه (١).
٣ - وأما استدلالهم بأن الشريعة قسّمت الأفعال إلى قسمين: قسم يحصل مقصوده بمجرده من غير نيّة، وقسم لا يحصل إلاّ بالنيّة، فمسلّم، ولكن الذي لا نسلّمه لهم، وننازعهم فيه -كون الوضوء والغسل من القسم الأول، إذ هذه الدعوى هي محلّ النزاع فلا تقبل، وقولهم في تقريرها: إن القصد من الوضوء والغسل النظافة .... الخ.
جوابه: أن لله على العبد عبوديتين: عبودية باطنة، وعبودية ظاهرة، فله على قلبه عبودية، وعلى لسانه وجوارحه عبودية، فقيامه بالعبودية الظاهرة مع تعريه عن حقيقة العبودية الباطنة مما لا يقربه إلى ربه، ولا يُوجب له الثواب وقبول عمله، فإنَّ المقصود امتحان القلوب، وابتلاء السرائر، فعمل القلب هو روح العبودية ولبها، فإذا خلا عمل الجوارح منه كان كالجسد الموات بلا روح، والنية هي عمل القلب الذي هو ملك الأعضاء والمقصود بالأمر والنهي، فكيف يسقط واجبه، ويعتبر واجب رعيته وجنده واتباعه الذين إنما شرعت واجباتهم لأجله، ولأجل صلاحه؟ وهل هذا إلاّ عكس القضية وقلب الحقيقة؟ والمقصود بالأعمال كلّها: ظاهرها وباطنها إنّما هو صلاح القلب وكماله وقيامه بالعبودية بين يدي ربه وقيومه وإلهه، ومن تمام ذلك قيامه هو وجنده في حضرة معبوده وربه، فإذا بعث جنوده ورعيته وتغيّب هو عن الخدمة والعبودية فما أجدر تلك الخدمة بالرد والمقت! وهل