للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يطلبون الجنة، ويخافون النار- يستقيم قول من زعم أنّ الذي يعبد الله طلبا للجنة، وخوفا من النار كأجير السوء، أو أن العمل على ذلك من الرعونة، وأنه أضعف مراتب المريدين، وكيف يجوز للغزالي -غفر الله له- أن يقول: "العامل لأجل الجنة عامل لبطنه وفرجه، كالأجير السوء ودرجته درجة البله".

لا والله، بل هؤلاء هم الأخيار الأبرار الأطهار الذين سماهم الله بأولي الألباب، وهم الذين تلقوا علومهم عن الله، وفقهوا عنه، وشمّروا لما دعاهم إليه، فهم أسعد الناس وخير الناس، وحاشاهم أن يكونوا كأجراء السوء، أو أهل رعونة وضعف.

والذين قالوا هذه المقالة أثروا في المسلمين أثرا سيئا، فإنَّ القلب إذا خلا من ملاحظة الجنة والنار، ورجاء هذه، والهرب من هذه، فترت عزائمه، وضعفت همته، ووهى باعثه، وكلما كان أشدّ طلبا للجنة وعملا لها، كان الباعث له أقوى، والهمّة أشدّ، والسعي أتمّ. ولعلّ من أخطاء هذا الفريق زعمه أنَّ الجنّة لا يدخل في مسماها إلاّ الأكل والشرب واللباس والنكاح والسماع ونحو ذلك مما فيه التمتع بالمخلوقات، وأنَّ طالب الله وطالب رؤيته والنظر إليه ينبغي أن يطلب مطلوبا غير الجنّة، كما قال أحدهم عندما سمع قوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ} (١)، قال: فأين من يريد الله (٢)؟

وقال الآخر في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (٣). فقال: إذا كانت النفوس والأموال بالجنة، فأين النظر إليه؟ (٤).

وظنوا أنَّ مسمى النار لا يدخل فيه إلا التعذيب بالمخلوقات فحسب، وقد عبرت رابعة العدويّة عن هذا الفهم بقولها: (٥)


(١) سورة آل عمران ١٥٢.
(٢) مجموع الفتاوى ١٠/ ٦٣.
(٣) سورة التوبة: ١١١.
(٤) مجموع الفتاوى (١٠/ ٦٣).
(٥) العبادة في الإسلام ص ١١٠.

<<  <   >  >>