للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في غير آية: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} (١)، {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} (٢)، فقصد الخير لا يضيع عند الله: "فإن غلب قصد الرياء حبط منه القدر الذي يساويه، وبقيت زيادة، وإن كان مغلوبا سقط بسببه شيء من عقوبة القصد الفاسدة".

والغزالي يقوي مذهبه ويستدل عليه بالمعقول وبالنصوص.

فهو يقول في توضيح مذهبه: "وكشف الغطاء عن هذا أن الأعمال تأثيرها في القلوب بتأكيد صفاتها، فداعية الرياء من المهلكات، وإنما غذاء هذا المهلك وقوته في العمل على وفقه، وداعية الخير من المنجيات، وإنما قوتها بالعمل على وفقها، فإذا اجتمعت الصفتان في القلب فهما متضادتان، فإذا عمل على وفق مقتضى الرياء فقد قوّى تلك الصفة، وإذا كان العمل على وفق مقتضى التقرب فقد قوى تلك الصفة، وأحدهما مهلك والآخر منج، فإن كان تقوية هذا بقدر تقوية الآخر فقد تقاوما".

وقد مثل لهذا بالأمور المحسوسة، فالمستضر بالحرارة إذا تناول ما يضرّه، ثم تناول من المبردات ما يقاوم قدر قوته فيكون بعد تناولهما كأنه لم يتناولهما، وإن كان أحدهما غالبا لم يخل الغالب عن أثره. فكما لا يضيع مثقال ذرة من الطعام والشراب والأدوية، ولا ينفك عن أثر في الجسد بحكم سنة الله تعالى- فكذلك لا يضيع مثقال ذرة من الخير والشر، ولا ينفك عن تأثير في إنارة القلب أو تسويده، وفي تقريبه من الله أو إبعاده، فإذا جاء بما يقربه شبرا مع ما يبعده شبرا فقد عاد إلى ما كان، فلم يكن له ولا عليه، وإن كان الفعل مما يقربه شبرين والآخر يبعده شبرا واحدا فضل لا محالة شبر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتْبِع السيئَةَ الحسَنةَ تمْحُهَا" (٣) فإذا كان الرياء المحض يمحوه الإخلاص المحض عقبه، فإذا


(١) سورة الزلزلة/ ٧، ٨.
(٢) سورة النساء / ٤٠.
(٣) رواه الترمذي وقال: حديث حسن، وفي بعض النسخ حسن صحيح، والحاكم وقال: صحيح على شرط الشيخين (جامع العلوم ص ١٤٧).

<<  <   >  >>