أحيانًا ما تظهرنا الصورة الكاريكاتورية على مميزاتٍ وعيوب لم نكن نلحظها في الشخص الأصلي، وكذلك يفعل التقليد الفكاهي للشخصيات والمحاكاة الأسلوبية الساخرة للمؤلفين (الباروديا parody)، وليس ما يمنع أن يستعين المرء بصورة هزلية كاريكاتورية للرأي الذي سوف يتناوله بالتحليل والنقد، ما دام يعلن ذلك إعلانًا ويُسلِّم بأن هذا ليس رأي الخصم على وجه الدقة، ولكنه كاريكاتور فيه تضخيم لعيوبٍ دقيقة ربما تلطُف على ملاحظة القارئ العادي، إنه يقدمه على سبيل التوطئة؛ لكي لا يلبث أن يُسدل عليه الستار دون طعن ويركز الضوء على هذه النقاط الدقيقة بحجمها الطبيعي وبكل الأمانة في التمثيل والطرح، في هذه الحالة يكون رجل القش تقنية بيداجوجية، أو وسيلة إيضاح مسعفة، تَتَغيَّا المزيد من الدقة في التمثيل، وتتبرأ من التحريف والتشويه وليِّ الحقائق.
•••
ومهما يكن من شيءٍ فإن مهاجمة خصم من القش بدلًا من الخصم الحقيقي هي في أغلب الأحيان ضرب من الغش والجبن، وخروج عن الموضوع، ومضيعة للوقت والجهد، ومحاولة بائسة لإحراز انتصارٍ رخيص، تنم بالأحرى عن افتقارٍ إلى انتصارات حقيقية غير مختلقة، وتعطُّشٍ إلى نجاحات واقعية غير موهومة.
كن رجلًا إذن، ولا يكن دَيْدَنُك أن تنسج الدُّمى وتحشوها قشًّا وتُوسعها لكمًا، متحاشيًا بين ذلك التقاء الخصوم وبأسَ الرجال:
وإذا ما خلا الجبانُ بأرضٍ … طلبَ الطعنَ وحدَه والنزالا
كن محسنًا لخصمك، واعرِض حجتَه في أدق صورة وأقواها، ثم قَوِّضها تَكن قد فَعَلت شيئًا يُذْكر.