(٣) التلويح بالعلم؛ التذرُّع بالوطنية flag waving appeal to patriotism
الوطنية هي آخر ملاجئ الأوغاد.
صموئيل جونسون
في هذه المغالطة يلجأ المتحدث إلى المشاعر القومية أو الوطنية ليدعم بها حجته أو موقفه، أو ليقوِّض موقفًا آخر باعتباره منافيًا للوطنية أو القومية، ويندرج في هذه المغالطة التلويح بأيِّ رمز أو التلفع بأيِّ راية: سياسية أو مذهبية أو دينية، حين يكون ذلك افتعالًا وتكلُّفًا غيرَ ذي صلة بالحجة المَعنية؛ تصديقًا لقول موليير «ما أبعد البَونَ بين الوجه والقناع.»
[(٣ - ١) الاحتكام الصائب إلى الأغلبية]
ليست الحقيقة ديمقراطيةً بالضرورة، فقد يصيبُ شخصٌ واحد في التفكير مثلما يُصيب مائة شخص، وقد يُخطئ مائةٌ مثلما يُخطئ واحد، وما ينبغي لموقفٍ ما أن يكون حقًّا لمجرد أنه موقف أغلب الناس، ولا لموقف أن يكون باطلًا لمجرد أنه موقف القِلَّة، تلك حقيقة ما يزال يُلِحُّ عليها درس المنطق ودرس التاريخ، إنما تستند الحُجَّة على دعائمها المنطقية الخاصة وليس على عدد مؤيديها، وكم اعتقد الناسُ اعتقاداتٍ بلغت مرتبةَ اليقين وجرت مجرى البديهيات، ثم تبين بعد ذلك أن تلك الاعتقادات الكبرى كانت أخطاءً كبرى!
غير أن علينا أن نتجنب الغلو في الاستهانة برأي الأغلبية، وبخاصة إذا كان العدد هنا يحمل مغزى المراجعة ويضطلع بوظيفة التدقيق والتنقيح والتحقيق: وإلا فما معنى مراجعة الحسابات (وهو عمل محاسبين متعاقبين)، ومراجعة النظراء peer review في مجال البحث العلمي، وشرط تعدد الشهود في الجرائم، واتفاق القضاة والمحلَّفين في الأحكام، وتكرار التجارب replication في العلم؟! العقلانية إذن تعني التذرع بالمبررات العقلية التي تَثْبُت للنقد العام، أي التمحيص، قد يكون الفرد شاذًّا في مبررات اعتقاده، ولا يصبح عقلانيًّا بحق إلا حين يُدرك أن عليه ألا يكتفي بإقناع نفسه بل أن يُقْنِع كلَّ