للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي مقامٍ مماثلٍ يقول فرنسيس بيكون في «الأورجانون الجديد» Novum Organum، الكتاب الأول: شذرة ٥٤: «ومثل هذه الحماقة يجب أن توقف وتُقمع بكل حزم، فمِن هذا المزج غير الصحي بين البشري والإلهي لا تنبثق فحسب فلسفةٌ وهمية، بل ودينٌ هرطقي! ومن ثم فإن رأس الحكمة والرصانة أن نعطي للإيمان ما هو للإيمان ولا نَتَزَيَّد.»

[(١ - ٢) البروكرستية الإكلينيكية]

حين ينخذل الطبيب المبتدئ أمام «الحالة»، فيرهن ذهنه لتشخيصٍ مسبقٍ يكيِّف عليه الأعراض والعلامات ويلوي بها لتأتي على مقاس تشخيصه، حين يمضي من التشخيص إلى العلامات بدلًا من أن يتجه من العلامات إلى التشخيص، فإنه يرتكب خطأ «البروكرستية الإكلينيكية»، وما كان للواقع العنيد أن يرضخ لحيل العقل والتواءاته ويدخلَ طواعيةً في قوالبَ مسبقةٍ لا تلائمه ولا تحكمه، إنك لا تجني من الشوك العنب، وأكبر الاحتمال أن يؤدي التشخيص الخطأ إلى العلاج الخطأ، ومن ثم إلى تفاقم المرض وتردِّي المآل.

[(١ - ٣) الاستخبارات البروكرستية]

حين توعِز الإدارة السياسية لمرفق الاستخبارات بأن يُفَصِّل لها معلوماتٍ استخباراتيةً على مقاس قرارٍ سياسي مُبَيَّت، بدلًا من أن يكيف القرار السياسي وفقًا للمعلومات الاستخباراتية، نكون بإزاء صنف خبيث من البروكرستية ربما تُودي بمرتكبها قبل أن طرفٍ آخر.

[(١ - ٤) بروكرستية العولمة الثقافية]

يطمح دعاةُ العولمة إلى صب الثقافات جميعًا في قالبٍ واحد، ظنًّا منهم أن إزالة الحواجز بين الأمم وتدفق الأفكار والمعلومات والبشر عبر الحدود من شأنه أن ينشر قيمَ التسامح والحرية وفهم الآخر، وأن يدمج البشرَ في ثقافةٍ عالمية متجانسة، لم يتفطَّن هؤلاء إلى أن الانفتاح والاجتياح يُثير في النفوس أيضًا غريزة المحافظة والانكماش والتجمد والبحث عن حدود الذات وتدعيمها لإثبات الهوية وتجنب الانمحاء، هكذا انبعثت مع العولمة نزعاتُ

<<  <   >  >>