«وإنه لَيُعجِزنا أن نحزر كيف كان يمكن أن يكون حالُ عالمنا لو لم يداخل الشك بعض العقول الباسلة والبصائر النبيلة، فيسوِّل لها أن تركل كهفَها الدافئ وتذبح أمانَها السمين، كيما تستنطِق الحقَّ وتستجوِب الطبيعة، وكيف كان يمكن أن يكون حالُه لو أن كل رهطٍ من البشر ظلوا قابعين في حظيرتهم، مُتَحَكِّكين كالخِراف، غيرَ مُنبتِّين عن جهالة الآباء أو متجاوزين «لطفولة» الأجداد!» (١)
(٧) متى يكون القِدَم معيارًا صائبًا؟
يزداد شغفي بك على مرِّ الليالي، … كأنك الخمر أو العطر أو العود أو اللؤلؤ، … أو أيٌّ من تلك الأشياء المحظية القليلة … التي استأثرها الزمن بمودته، … وتبناها الفَلَك في دورته، … فهو يُرضعها ولا يدوسها … ويُكرمها ولا يهينها، … ويُغليها ولا يُرخِصها.
غني عن القول أن القدم قد يكون معيارًا للجودة في بعض السياقات:
فبعض الآلات الموسيقية يزداد رنينُها بقدر ما يجف خشبُها بفعل الزمن.
والنبيذ المعتق، والجبن المعتق، والعطر القديم
والأثر التاريخي، والوثيقة التاريخية، والأثر الفني
واللؤلؤ جوهر نفيس يستغرق تكوينه زمنًا هائلًا في جوف المحارة.
والصداقة، وغيرها من العلاقات الإنسانية، تتقَوَّت بالزمن، وتزداد مع الأيام قوةً ورسوخًا.
ها هنا يكون الزمنُ طرفًا فاعلًا، ويكون القِدم «ذا صلة» relevant بقيمة الشيء.
(١) عادل مصطفى: فضيلة الشك وضرورة المنهج، مجلة «الإنسان والتطور»، دار المقطم للصحة النفسية، القاهرة، السنة الثالثة، العدد ٤، أكتوبر، نوفمبر، ديسمبر ١٩٨٢، ص ٢٧ - ٥٣.