للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن أمثلة الانغلاق الإبستيمي قوائم أسماء الناجحين في الامتحانات، إنها مغلقة تمامًا من الوجهة الإبستيمية، ومِن ثَمَّ فمن لم يرد اسمه في القائمة فهو راسب؛ لأنه لو كان ناجحًا لورد اسمه في القائمة.

[(٤) الاستدلال بالقرينة presumption]

على أن الانغلاق الإبستيمي لا يكون تامًّا في أغلب الأحيان، ورغم ذلك يظل للاستدلال العملي مجاله، كما في مثال «برنامج الأستاذ»، فنحن لا نتوقف عند الاستدلال في حياتنا العملية الملحَّة، بل تبقى لدينا ضروب من الاستدلال في ضوء الغايات العملية التي نتوخاها، وبدرجاتٍ متفاوتة من اليقين.

من هذه الاستدلالات العملية ما يُعرف ب «الاستدلال بالقرينة» presumption، وهو «فعل كلامي» speech act يقع موقعًا وسطًا بين الإقرار (أو الإثبات) assertion وبين مجرد الافتراض assumption، إنه ضربٌ من الاستدلال المقبول عمليًّا يُتيح لنا أن نستنبط شيئًا، بصفةٍ مبدئية، وعلى نحوٍ قابل للإبطال defeasible، من واقعةٍ معينة في الأحوال المعتادة، مثال ذلك أن نقول «إن من يتغيب أكثر من سبع سنوات دون تفسير يعتبر في عداد المتوفين»، ونشفع ذلك بعبارة «ما لم يثبت عكس ذلك» till proved otherwise، بمعنى أنه استنتاج «ظاهر الوجاهة يؤخذ به ما لم يُنقض بدليل» prima facie أي أن له قوة مفترضة تظل قائمةً ما لم تُنقَض باعتبارٍ أعلى.

يستند الاستدلالُ بالقرينة على مفهوم عبء البينة، فالسمة المحورية لهذا الاستدلال هي أنه يعكس عبء البينة وينقلها إلى الطرف الآخر، فالدواء الذي تبين أنه غير سام للقوارض يعد مأمونًا للإنسان مبدئيًّا، ولا تسقط عنه هذه الصفة ما لم يثبت بالدليل أنه سام للإنسان، ذلك أنه قد ينقذ حياة المرضى، وقد يسعفنا في العلاج، ومن «الحكمة العملية» phronesis أن نجيز استعماله في ضوء معرفتنا المتاحة، ما لم يبرز لنا دليلٌ جديد في المستقبل يشير إلى أضرار للدواء لم تكن بحسباننا.

وفي مجال العقل العملي نحن نسترشد بمجموعة من القواعد الأخلاقية حين تدعونا مواقف الحياة إلى الفعل الفوري ولا تتيح لما وقتًا للتَفَكُّر والتروي: لدينا قاعدة أخلاقية بألا نقتل، ولا نكذب، ولا نفشي الأسرار … إلخ، إنها قواعد «قابلة للإبطال أو الإلغاء» defeasible، بمعنى أنها تظل نافذةً ملزمة ما لم تُنقَض بحجةٍ عكسية ساطعة، إنها تضع عبء البينة على من يريد نقضها في موقف معين، مثال ذلك أن هناك قاعدة

<<  <   >  >>