للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«حالات» اللغة، وضرورة استبعاد العامل التاريخي عند دراسة «حالة» من حالات اللغة، فاللغة عند سوسير هي مجرد نسق أو نظام وتؤدي وظيفتها باعتبارها «بنية» لا تنطوي في ذاتها على أي بُعد تاريخي، من ذلك أن تاريخ كلمةٍ ما كثيرًا ما يكون بعيدًا كل البُعد عن أن يُفيدنا في فهم المعنى الراهن لهذه الكلمة.

[(١) اعتباطية العلامة اللغوية]

يقول سوسير: إن العلاقة التي تربط «الدال» signifier ب «المدلول» signified علاقة اعتباطية، ولما كنتُ أعني بالعلامة اللغوية النتيجة الإجمالية للربط بين الدال والمدلول، فإن بوسعي القول بإيجاز وبساطة: العلامة اللغوية علامة اعتباطية، ففكرة «الأخت» sister لا ترتبط بأية علاقة داخلية مع السلسلة المتتابعة من الأصوات s-o-r التي تستعمل كدالٍّ بالنسبة لهذه الفكرة في اللغة الفرنسية، إذ يمكن تمثيل هذه الفكرة باستخدام أي سلسلة أخرى من الأصوات، وأكبر دليل على ذلك هو الفروق القائمة بين اللغات، بل وجود لغات مختلفة: فللمدلول «ثور» الدال b-o-f على طرف من الحدود (الفرنسية-الألمانية)، و (ochs) o-k-s على الطرف الآخر، (١) لقد استُخدم لفظ «رمز» symbol للدلالة على العلامة اللغوية، أو على وجه الدقة للدلالة على ما نسميه «الدال»، ولكن هناك بعض المصاعب التي تمنعنا من اتخاذه؛ وذلك بسبب مبدئنا الأول نفسه، فللرمز خاصية أنه لا يُدرك دومًا اعتباطيًّا، فهو ليس فارغًا، بل فيه بقية من رابطة «طبيعية» بين الدال والمدلول، فرمز العدالة مثلًا، أي الميزان، لا يمكن أن يُستبدل به أي شيء آخر: دبابة مثلًا أو عربة! (٢)

يستدعي لفظ «اعتباطية» الملاحظة التالية: فهذه الكلمة لا ينبغي أن تعطي انطباعًا بأن أمر اختيار الدال متروك تمامًا للمتكلم (وسنرى أنه ليس بمُكنة أي أحد أن يغير شيئًا من علامة لغوية استتبت في مجتمعٍ لغويٌّ ما) إنما أعني بالاعتباطية أن العلامة اللغوية ليس لها من سبب؛ أي أن العلاقة بين الدال والمدلول بها لا تقوم على أية رابطة طبيعية. (٣)


(١) فرديناند دي سوسير: علم اللغة العام، ترجمة: د. يوئيل يوسف عزيز، بيت الموصل، ١٩٨٨، ص ٨٧.
(٢) المرجع السابق، الصفحة نفسها.
(٣) المرجع السابق، ص ٨٧ - ٨٨.

<<  <   >  >>