للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في العمل، وبين حالة الفنان في وقت خلقه لهذا العمل، من ذلك أن السيمفونية الثانية البهيجة لبتهوفن كُتِبت في وقتٍ كان يُعاني فيه ألمًا شخصيًّا مبرحًا، ومن ذلك أيضًا شهادة تشايكوفسكي الشخصية إذ يقول: «إن العمل الذي يُؤلَّف في أسعد الظروف قد يصطبغ بألوان قاتمة كئيبة.» (١) وهناك شهادة أخرى لكاتبة أمريكية كبيرة هي كاترين آن بورتر، تفرق بدورها بين الحالة النفسية للخلق وبين العمل الفني، فتقول: «ليس في وسعي أن أقول لك ما الذي يضفي على العمل حرارة حقيقية … إنها ليست متعلقة بما تشعر به في أية لحظة بعينها، وليست قطعًا متعلقة بما تشعر به لحظة الكتابة، وربما كان البرود هو أنسب الحالات لذلك، في معظم الأحيان.»

كذلك ينبغي تجنب مغالطة الأصل عندما يكون العامل المنشئ اجتماعيًّا لا شخصيًّا، مثال ذلك أن كثيرًا من موضوعات الفن البدائي التي نضعها في المتاحف كانت في الأصل تُستخدم لأغراض عملية، فهذه الأواني والملاعق والأوعية كانت من قبل موضوعات عادية تُستخدم في الحياة اليومية، ومع ذلك لا يمكننا القول إن النظر إليها بطريقة جمالية، بدلًا من الطريقة العملية، ينطوي على تشويه لطبيعتها الحقة، ففي هذا القول خلط بين الموضوع، الذي يمكن النظر إليه على أنحاء شتى، وبين منشئه. (٢)

[(١ - ٣) المنشأ السيكولوجي (والاجتماعي) للأفكار]

ليس هناك أدنى شك في أنَّ العوامل الاجتماعية والنفسية ضالعة في نشأة الأفكار والمذاهب، وأنَّ فهم هذه العوامل هو شرط لا بُدَّ منه لفهم هذه المذاهب وتقييمها، وقد دَبَّج «فيلسوف القرن» برتراند رَسِل سِفرًا ضخمًا في تاريخ الفلسفة أسماه: «تاريخ الفلسفة الغربية: وصلته بالظروف السياسية والاجتماعية منذ أقدم العصور إلى اليوم» (نعني أنه عرَفَ صلة هذه الظروف بفكر الفلاسفة، ولا نعني أنه اقتصر عليها).

غير أنَّ الاقتصار على تقييم الأفكار وفقًا للظروف الاجتماعية التي اكتنفتها والدوافع السيكولوجية التي أوقدتها، والاكتفاء بتحليل هذه الدوافع كبدليل عن تناول الحجج


(١) Rosamond E.M.Hardling: "An Anatomy of Inspiration"، (Cambridge، Heffer، ١٩٤٢) p. ٧٨.
(٢) النقد الفني، ص ١٢٩ - ١٣٠.

<<  <   >  >>