للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أجسام وعقول معًا، وتؤكد على وجود عمليات فيزيائية وعمليات عقلية، وأن هناك أسبابًا آلية للحركات الجسدية وأسبابًا عقلية للحركات الجسدية، وسوف أثبت أن هذه العبارات العطفية محالة، ولكن يجب أن نلاحظ أن الحُجة لن تثبت أن أية قضية من القضايا المعطوفة على نحو غير منطقي محالة في ذاتها، فأنا لا أنكر، مثلًا، وجود عمليات عقلية (فإجراء عملية القسمة الطويلة في الحساب هي عملية عقلية) ولكنني أقول إن عبارة «توجد عمليات عقلية» لا تعني نوع الشيء الذي تعنيه عبارة «توجد عمليات فيزيائية»، ومن ثم لا يكون معقولًا أن نربط بينهما أو نفصلهما.» (١)

لقد أخطأ ديكارت عندما زعم أن العقل جوهر وشيء، ووضعه في نفس مقولة الجسم، ولكنه أضفى عليه مجموعة مركبة من السمات غير الفيزيائية، أما رايل ف «العقل» عنده لا يدل على شيء من أي نوع، سواء كان فيزيائيًّا أو غير فيزيائي، إنه اسم جمعي نستعمله للدلالة على نماذج من السلوك patterns of behavior، واللغة تخدعنا أحيانًا فنظن أن كل اسم لا بُدَّ من أن يدل على شيء ما … فالعقل اسم، ولكن هذا لا يقتضي أن يكون اسمًا لشيء ما، العقل لا يُسمِّي شيئًا على الإطلاق، وإنما هو كلمة عامة نستعملها للدلالة على نماذج السلوك، والميول، والاستعدادات للسلوك بطرق معينة، عندما نقول إن الناس لهم أجسام وعقول، فمن الخطأ أن نُفسر ذلك على أنه يشبه القول إن الطيور لها مناقير وريش أو إن القطط لها أرجل وذيول. (٢)

[(٢) خطأ مقولي في الميثودولوجيا (المنهج العلمي)]

بعد أن بيَّن بوبر أن الملاحظات في العلم «محملة بالنظرية» theory-laden، وأنها سليلة النظرية وليست محايدة، وأنها مِنْ ثم جديرة أن تبدو مدعمة للنظرية ما لم نفطن لذلك ونعتصم بالملاحظات التفنيدية القاسية والمناوِئة وبغير ذلك من عناصر منطق التكذيب ومنهجه - بعد أن أسهب في تبيان ذلك طفق يرسم طريقًا لتقدم العلم في مراحل أربع، يعنينا منها في هذا المقام المرحلة الثانية: بعد التثبت من الاتساق الداخلي (الصوري)


(١) د. صلاح إسماعيل: فلسفة العقل-دراسة في فلسفة جون سيرل، دار قباء الحديثة، القاهرة، ٢٠٠٧، ص ٢١ - ٢٢.
(٢) المرجع السابق، ص ٢٢.

<<  <   >  >>