وكان أفلاطون أيضًا مناوئًا للتمثيل البشري للآلهة، وفي محاورة «الجمهورية» بصفةٍ خاصة يعترض على عملية إسباغ المثالب البشرية على كائنات إلهية. كان أفلاطون، شأنه شأن زينوفان، يرمي إلى تطهير العقيدة بتنقيتها من العناصر التي يعدها بدائية وفجَّة.
جاءت الديانات السماوية مُناوِئةً بشدة للأنثروبومورفية، ومنزهة للرب عن أيِّ شبه بالإنسان، صحيح أننا نصادف في الكتاب المقدس كثيرًا من التعبيرات الأنثروبومورفية مثل «صورة الرب»، «يد الرب»، «ذراعه الممدودة»، «عيني الرب»، «مسند قدميه» … إلا أن التأويل السائد هو أن التوراة تتحدث بلغة الناس، وأن الكتاب المقدس يستخدم مثل هذه الألفاظ لأنها اللغة الوحيدة التي يمكن للبشر أن يفهموها، غير أن عليهم ألا يأخذوها بمعناها الحَرفي، إن هي إلا استعاراتٌ لوصف ما يستحيل وصفه على أي نحو آخر؛ لذا كان أحبار الحقبة التلمودية يلجئون إلى تعبيرات عديدة لتفادي الفهم الحرفي: تعبيرات مثل «إن جاز أن نقول ذلك»، وكان المترجمون يضيفون أحيانًا كلمة أو كلمتين لدرء التشبيه: من ذلك أن الآية ٨: ١٢ من سِفر العدد «سأتحدث إليه فمًا لفم» ترِد في النسخة اليونانية هكذا: «سأتحدث إليه فمًا لفمٍ ظاهريًّا.»
[(٢) الأنسنة استراتيجية إدراكية]
إن المبدأ عينٌ نرَى بها.
إمرسون
الحقيقة أن إسناد فاعلية بشرية للأشياء والظواهر هو استراتيجية تفسيرية عظيمة الفاعلية رغم فشلها في بعض الأحيان، فنحن بعد كل شيء نعيش في بيئة يشكل البشرُ جانبَها الأهم والأكثر تواترًا وأشد تأثيرًا؛ ومِن ثم فلا مفرَّ لنا من أخذ كل ما هو بشري في الاعتبار الأول، ولا مفر لنا في حالة عدم وضوح الرؤية من الرهان على التفسير الأنثروبومورفي، إن بناءاتنا التصورية والإدراكية لَتميلُ بنا غرزيًّا إلى النزعة الإحيائية animism والنزعة الأنثروبومورفية، كما أن توصيل الحقيقة إلى البشر لا يتسنَّى له أن يتم إلا عبر وسيط من الأفكار البشرية، ولا يمكن التعبير عنه إلا بلغة ملائمة لفهم البشر.