للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس بوسع أية فلسفة شعبية أن تقدم نفسَها كشيءٍ مرحلي وغير مكتمل وقابل للدحض غدًا مع نمو المعرفة، فهذا التوجه الفلسفي حديثٌ للغاية، ذلك أنه يكلف المرء عنتًا ذهنيًّا شديدًا، إن جميع الشعوب التي نرى أعرافَها أدنى مستوى من أعرافنا هي على قناعةٍ تامةٍ بما لديها من أعراف مثلما نحن على قناعة بما لدينا، فالأعراف إنما تُقَيَّم بمدى تجاوبها مع ظروف الحياة ومصالحها في زمان ومكان معينين، ومِن ثَم فمن الصلاح والتيسير ألا يوليها أحدٌ تفكيرًا أو تأملًا بل أن يتعاون الجميع في تنفيذها غريزيًّا.

[(٣) اختبار الزمن]

قد يقول قائل: ولكن كيف يتسنَّى لاعتقادٍ ما أن يدوم كلَّ هذا الزمن لو لم يكن هذا الاعتقاد حقًّا وصوابًا؟! أليس بقاء الفكرة أو العادة ردحًا طويلًا من الزمن دليلًا على نجاحها وصحَّتها وإسعافها للناس في حياتهم على الأرض؟ أليس دليلًا على أنها قد «اجتازت اختبار الزمن» passed the test of time، وأثبتت فاعليتَها في مواقف متتالية وتجارب متعاقبة؟ ألا يُقيم العلم نفسُه وزنًا لما يسمَّى «اختبار الزمن»، ولما يسمَّى «تكرار التجربة» replication؟

«الحق أن الاحتكام إلى التقاليد كثيرًا ما يعكس ضروبًا معقدةً من التكيف مع البيئة، ما إن تنشأ هذه التكيفات حتى تنتقل على نحوٍ ثقافي وليس كحجةٍ ممنطقةٍ، فيكون الناس على وعي بحكمة تقاليدهم أو على غير وعي، وأغلب الاحتمال أن تكون التقاليد صائبةً في البيئة الثابتة حيث أتيح لكثير من الاختلافات أن تُختبر في الماضي، على أن التقاليد تميل إلى أن تَبلَى وتندثر في البيئة السريعة التغير.» (١)

[(٤) الوراثة الثقافية والضغط الانتخابي]

في كتابه «التكيف البشري» يذهب ستيفن تولمن إلى أن تطور الأفكار العلمية شبيه بالعمليات التطورية الأخرى، وإن لم يكن تطورًا داروينيًّا بالمعنى الحرفي: ف «المتخالفات»


(١) William D.Harpine، university of Akron: The appeal to tradition: Cultural evoluation and logical soundness.، Informal logic، XV. ٣، Fall ١٩٩٣، p. ٢٠٩.

<<  <   >  >>