للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقطعية والأمرية، وإذا سُئِل البدائيون لماذا يسلكون بطريقةٍ معينة في حالاتٍ معينة، فإنهم يجيبون دائمًا بأنهم هم وأسلافهم كانوا دائمًا يفعلون ذلك. (١)

الطرق الشعبية إذن لا يبتكرها البشر عن عمدٍ أو تفطُّن، إنها أشبه بنواتج قوى الطبيعة التي يديرها الإنسان عن غير وعي، أو هي أشبه بالطرق الغريزية للحيوان؛ إذ تنجم من الخبرة وتصل إلى شكل نهائي يحقق أقصى تكيف بإزاء غرضٍ ما، وتصير تقليدًا ينتقل من جيل إلى جيل ولا تقبل استثناءً أو شذوذًا، غير أنها يمكن أن تتغير لتوافق ظروفًا جديدة ولكن تغيرها يتم في حدود الطرق نفسها ودون تَفَكُّر أو قصدٍ عقلي.

تتحدد الطرق من جانبها السلبي؛ أي بواسطة «المحرمات» taboos، والطريقة الصحيحة هي الطريقة التي اتبعها الأسلاف، والتي أورثوها الأخلافَ، التقليد هو برهان ذاته ومسوِّغ نفسه، التقاليد تحمل في ذاتها مبرراتها، فهي لا تقع في النفس موقعًا يُعَرِّضها للتحقيق بالخبرة، إن فكرة «الصواب» قابعةٌ في الطرق الشعبية، الصواب لا يأتي من الخارج، من مصدرٍ مستقل، لكي يختبرها ويتحقق منها، فأيما شيء تقوله الطرق الشعبية فهو حق؛ ذلك لأنها تقليدية موروثة تنطوي في داخلها على سلطة أرواح السلف.

هكذا ينبغي أن نتصور الأعراف على أنها نسقٌ عريض من الأحكام التي تشمل الحياةَ كلها وتخدم مصالحها جميعًا، وتحمل في ذاتها مبرراتها عن طريق التقليد الموروث والاستخدام والعادة، ويسلم الناس بها خضوعًا لسطوةٍ سريةٍ باطنةٍ إلى أن تؤسس، عن طريق التأمل العقلي، تعميماتها الفلسفية والأخلاقية الخاصة، والتي ترقَى عندئذٍ لتصبح «مبادئ» الحق والصواب.

تسيطر الأعراف على كلِّ جيلٍ ناشئ وتُخضِعه لسلطانها، والأعراف لا تحفز الفكر بل تثبطه، فالتفكير قد تم وقُضِي أمره وتجسد في الأعراف، ولا تحمل الأعراف على الإطلاق أي احتمالات بمراجعتها وتعديلها، فالأعراف ليست أسئلة بل أجوبة - أجوبة عن مسائل الحياة، وهي تقدم نفسَها كشيءٍ نهائي وغير قابل للتغيير؛ لأنها تمثل أجوبةً مقدمة بوصفها «الحقيقة».


(١) Sumner، Graham. "Ethics are relative".In James A.Gould (ed)، Classic Philosophical Questions، second edition، Charles E.Merrill publishing Company.Howell company، Colombus، Ohio ٤٣٢١٦، pp. ٨٢ - ٨٣.

<<  <   >  >>