حاسوبيًّا يسمى «الأستاذ» Scholar وُجِّه إليه هذا السؤال: «هل تُنتج جويانا المطاط؟» إن «الأستاذ» يعرف حق المعرفة أن بيرو وكولومبيا تنتجان المطاط، ويحيط علمًا بكل شيء عن إنتاج المطاط في أمريكا الجنوبية، ومِن ثَمَّ فإن لديه أسبابًا وجيهة للاعتقاد بأنه لو كانت دولةٌ ما منتجةً كبرى للمطاط لعرفها، غير أن «الأستاذ» ليس لديه علم بما إذا كانت جويانا تنتج المطاط أم لا (أي ليست القضية ولا نفيها داخلًا بشكل صريح في قاعدة بيانات «الأستاذ») فما هو الجواب الذي ينبغي على الأستاذ أن يجيبه؟ يجيب الأستاذ كما يلي:«إن لديَّ من العلم ما يجعلني أميل إلى الاعتقاد بأن المطاط ليس من المنتجات الزراعية لجويانا»، إنه يَعقِد استدلالَ غياب المعرفة، فيرى أنه ما دامت جويانا ليست في قاعدة بياناته كمنتج للمطاط فإن له أن يستنتج بدرجةٍ متوسطة من الثقة أن جويانا لا تنتج المطاط.
والآن، هل هذا الاستدلالُ القائم على افتقاد المعرفة هو «احتكام إلى الجهل» ad ignoratiam بالمعنى المنطقي لهذا التعبير؟ ليس هناك اتفاقٌ بين المناطقة بهذا الشأن: فالبعض يذهب إلى أنه «احتكام، غير مغالط، إلى الجهل»، بينما يرى آخرون أنه، في حقيقة الأمر، احتكامٌ إلى المعرفة! ذلك أن «الأستاذ» يحوز معرفةً إيجابيةً عن منتجي المطاط بأمريكا الجنوبية أمكنه في ظلها أن يستبعد جويانا.
[(٣) الانغلاق الإبستيمي epistemic closure]
حين أقول: إنَّ قائمة المحطات التي يقف عندها هذا الديزل السريع هي «القاهرة، وبنها، وطنطا، ودمنهور، والإسكندرية»، فإن بوسعي عندئذٍ أن أستنتج أنه لا يقف عند كفر الدوار؛ وذلك لأن اسم هذه البلدة لم يرد في قائمة المحطات، وبعبارة أخرى يمكننا أن نفترض أن قاعدة البيانات هنا كاملة أو تامة (مغلقة إبستيميًّا epistemically closed)، باعتبار انه لو كان ثمة محطات توقُّفٍ إضافيةٌ لَوَرَدت في القائمة المدرَجة، يفيد مبدأ «الانغلاق الإبستيمي» أنه «إذا كان «س» حقًّا لَعَرَفته» أو «ما دمت أعرف أنه لا يمكن أن تكون «س» حقًّا دون أن أعلم بذلك، فإن لي أن أستنتج من غياب «س» أن «س» كاذبة»، أو «إذا كانت «س» صادقة لورَدَ ذلك في قاعدة بياناتي، ولكن «س» لم ترد في قاعدة بياناتي، إذن «س» كاذبة.»