للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(١ - ٧) بروكرستية الملاحظة العلمية]

على الرغم من أن الواقعَ قائمٌ «هناك» بمعزلٍ عن الملاحظ، فإن إدراكنا للواقع متأثرٌ بنظرياتنا التي تحدِّد طريقتنا في تَفَحُّص الواقع، يشمل ذلك إدراكاتنا ويشمل أيضًا أدواتنا العلمية التي هي امتداد لإدراكاتنا، مثال ذلك أن حجم التلسكوبات كان دائمًا يُشكِّل ويعيد تشكيل فكرتنا عن حجم الكون، فحين نَصَبَ إدفين هوبل تلسكوباتِه الجديدة في جنوب كاليفورنيا أتاح للفلكيين لأول مرة تمييز النجوم المفردة في المجرات الأخرى، هنالك تَبَيَّن أن تلك الأشياء الغائمة المُسمَّاة «سُدُمًا»، والتي كنا نحسبها ضمن مجرتنا، هي في الحقيقة مجراتٌ منفصلة.

في القرن التاسع عشر كان «قياس الجمجمة» craniometry يُحدد الذكاء بأنه حجم المخ، وابتُكِرَت أجهزةٌ معينة لقياس الذكاء على هذا التعريف، واليوم يُعَرَّف الذكاء بأنه كفاءة الأداء في مهمات معينة يقيسها جهازٌ آخر هو «اختبار الذكاء» I.Q.test، يوضح سير أرثر ستانلي هذه المشكلة بتشبيهٍ حاذق: فلنتصور أن عالمًا في الأسماك ichthyologist يستكشف الحياة في المحيط، فيلقي بشبكة في الماء ثم يُخرج تنويعةً سميكة، وإذ يقوم بفرز صيده فإنه يمضي على الطريقة المعتادة للعلماء وينظِّم ما اكتشفه، فيصل إلى تعميمين:

ليس هناك كائن بحري يقل طوله عن بوصتين.

جميع الكائنات البحرية لها خياشيم.

في هذا «الأنالوجي» يرمز الصيد إلى مادة المعرفة التي تشكل العلم الطبيعي، وترمز الشبكة إلى الأدوات الحسية والفكرية التي نستخدمها في تحصيل المعرفة، وترمز عملية إلقاء الشبكة إلى الملاحظات.

قد يعترض مشاهدٌ بأن التعميم الأول خاطئ: «فهناك كائنات بحرية كثيرة أقل طولًا من بوصتين، كل ما في الأمر أن شبكتك غير مكيفة للإمساك بها.» غير أن عالم الأسماك يرد على هذا الاعتراض بازدراء قائلًا: «كل ما لا يمكن إمساكه بشبكتي هو، بحكم طبيعته ذاتها ipso facto، خارجٌ عن النطاق المعرفي لعلم الأسماك وليس جزءًا من مملكة الأسماك التي تم تعريفُها بأنها الموضوع المعرفي الذي ينصَبُّ عليه علم الأسماك، أو، باختصار، ما لا يمكن لشبكتي أن تُمسك به فهو ليس سمكًا.»

<<  <   >  >>