للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقتنع الناسُ أنفسهم بأن لموقفٍ معين معنى معينًا على الحقيقة، وبغض النَّظر عما إن كان كذلك بالفعل، فسوف يتخذون من جرائه أفعالًا جِدَّ حقيقية.

[أمثلة]

[(١) إفلاس مصرف]

تصور مصرفًا (بنكًا)، كأفضل وأمْثَل ما يكون المصرف، يُدار على نحوٍ أمينٍ قويم، وهو كأي مصرف لديه سيولة نقدية معقولة، ولكن معظم أصوله بطبيعة الحال مستثمرة في أعمالٍ ومشروعات، وذات يوم تصادف أن كان هناك تزاحم على المصرف، وهو ما أزعج العملاء فسَرَت شائعة بأن المصرف موشك على الإفلاس، وسرعان ما تقاطر بقيةُ العملاء على المصرف يطالبون بسحب ودائعهم، وبالطبع لم تتوافر السيولة الكافية لسد مطالبهم، فنَفِدت السيولة وأعلن المصرف إفلاسَه!

تُبين لنا هذه الحكاية الخيالية أن التعريفات الشائعة لموقفٍ ما (التنبؤات أو التوقعات) تصبح جزءًا مدمجًا بالموقف، وتؤثر بذلك على التطورات اللاحقة، وهو أمر يخص الشئون البشرية ولا يوجد في الطبيعة المستقلة عن الفعل الإنساني: من ذلك أن التنبؤات بعودة مذنب هالي لا تؤثر في مداره الفعلي، بينما أثرت إشاعة إفلاس المصرف في المآل الفعلي للمصرف، إن نبوءة الإفلاس أدت إلى تحقيق ذاتها! ويخلص مرتون إلى أن الطريقة الوحيدة لكسر حلقة «النبوءة المحققة لذاتها» هي أن نُعيد تحديد القضايا التي تستند إليها من الأصل افتراضاتها الكاذبة.

[(٢) التلاميذ وتوقعات المدرس]

وفي المجال التربوي لوحظ دائمًا أن أداء التلاميذ يأتي متفقًا مع توقعات مدرسيهم، وفي دراسة شهيرة أجريت عام ١٩٦٨ أنبأ الباحثون عددًا من مدرسي المرحلة الابتدائية بأن بعض تلاميذهم تَبَين امتلاكهم قدراتٍ كبيرةً للنمو المعرفي، على حين أن هؤلاء التلاميذ كان قد تم تحديدهم عشوائيًّا! وبعد انقضاء ثمانية أشهر أجريت اختبارات ذكاء على تلاميذ المدرسة، فحصل هؤلاء التلاميذ المحددون عشوائيًّا على درجات أعلى بصفة عامة من أقرانهم، وقد صارت هذه الظاهرة تعرف باسم «أثر بيجماليون» Pygmalion effect نسبة إلى مسرحية برنارد شو.

<<  <   >  >>