للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالقوة؛ لأن بين القوة والرأي فجوةً لا تُعبر، تُذكِّرنا ب «فجوة هيوم» بين عالم القيمة وعالم الوقائع من حيث تَبايُنُ العالمين واستحالة العبور من أحدهما إلى الآخر.

(١) متى تكون العصا صائبةً منطقيًّا؟

قد يكون التهديد، أو التذكير بالخطر، صائبًا منطقيًّا، وذلك حين يكون ذا صلة مباشرة بنتيجة الحجة، أو حين يكون الخطرُ هو نفسه موضوع الحجة:

مثال ١: «توقفوا عن التجارب النووية في هذه المنطقة القريبة من القطب؛ لأنها ربما تُعقِبُ زلازلَ وفيضاناتٍ وإشعاعات.»

في هذا المثال يناهض أنصارُ البيئة إجراء التجارب النووية، وفيه نجد أن الخطر متصل منطقيًّا بالحجة؛ لأن احتمال حدوث النتائج الخطرة هنا مترتبٌ سببيًّا وليس صادرًا عن قرار أو توجيه.

مثال ٢: «ذاكر جيدًا وإلا انخفضت درجاتُك.»

•••

من المؤسف حقًّا أن شطرًا كبيرًا من الحوار عندما لم يَعُد محتكمًا إلى العقل بل إلى العصا، إنه أقرب إلى لعبة «التحطيب» منه إلى لعبة الجدل، فنحن لا ننظر إلى الاختلاف في الرأي على أنه ثراءٌ وخصب، بل على أنه انحرافٌ وخيانة، وما نزال نُلوِّح بالعصا كلما أعوَزَتنا الحجة، ومن المؤسف في أمر العصا أن التهديدات، الصريحة أو المستترة، الظاهرة أو المقدَّرة، بوسعها أن تخلق وهمًا بأن امرءًا ما قد تم إقناعُه أو إفحامُه، وبوسعها أن تُخرِس الخصمَ فعلًا وتَثنيه عن المضي في الجدال، وتترك انطباعًا زائفًا بأنه قد خسر المناظرة.

العصا أفشلُ أداةٍ للإقناع، وأفشل مفتاحٍ للعقل والقلب.

واللجوء إلى العنف لدعم قضيةٍ كاللجوء إلى المِمحاة لإزالة الظل!

يوشك العنفُ أن يكون اعترافًا بغياب أي منطق وانعدام أي دليل.

بوسع العصا أن تشج الرأس وبوسعها أن تزهق الروح، ولكن هيهات لها أن تُقيم برهانًا أو تثبت حجة، وقلَّما يكون التلويح بالعصا سببًا لاعتقاد أيِّ شيء، فهو في أمثل الأحوال «وازع» أو «دافع» لتغيير السلوك لا لتغيير الرأي، وكثيرًا ما يدفع الناس إلى

<<  <   >  >>