للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وربما كانوا يتناولون فئران كل من الفئتين قبيل الجري تناولًا مختلفًا.

وربما كانت الفئران تتأثر بطريقةٍ ما بتوقعات المجرِّبين.

وربما كان التلاميذ يقدِّمون لأستاذهم البيانات التي يرون أن أستاذهم كان يتوقعها.

غير أن «تأثر التوقع» قد وقع! وقد سجَّل روزنثال تأثيراتٍ للتوقع في عديد من المواقف والسياقات: يتأثر المستخدَم بتوقعات مستخدِمه ويُقدم له ما يتوقعه من أداء، وكذلك يفعل التلميذ تجاه مدرسِّه، والمريض تجاه طبيبه، ثمة تواصلٌ غير لفظي: نغمة الصوت، حركات الجسم، تعبيرات الوجه، يجعل توقعات الطرف الأول تصل إلى الطرف الآخر عفويًّا وتلقائيًّا وضمنيًّا، ويحفز الطرف الثاني على أن يُلبي هذه التوقعات ويكون على مستواها.

يُستخدَم الوجه الإيجابي لظاهرة «النبوءة المحققة لذاتها» في التعامل مع الأمراض النفسية المزمنة مثل اضطراب القلق أو الألم المزمن، وتشير الدراسات المعرفية السلوكية إلى أن إدراك مسار مرضٍ ما وإدراك مآله يمكن أن يؤثر في خبرة المرض، يركز العلاج المعرفي السلوكي على تعلم تغيير الإدراك من أجل تخفيف الألم المزمن أو تقليل أحداثٍ مثل نوبات الهَلَع، بهذه الطريقة أدى فهمنا للنبوءة المحققة لذاتها إلى نجاحٍ أكبر في علاج الأمراض العَصِية.

(٨) العربية عاجزةٌ عن نقل العلوم … نبوءةٌ محققة لذاتها!

نحن نهملها فتذبل، ونستصعبها فتصعب.

حين نتنبأ بأن العربية عاجزة عن نقل العلوم فإننا نتردد ونتلكأ في التعريب، ويطول هجرنا وإهمالنا للعربية فتجف وتَضْمُر، وتهزل وتذبل، وتعجز عن العطاء لأنها حُرِمت من الأخذ! ومن ثم يرفع نُذُر الشؤم عقيرَتَهم ويعلنون عجزها وقد جعله تنبؤنا حقًّا!

يقول الأستاذ ساطع الحصري (رائد القومية العربية): «لا شكَّ أنها إن أمست اليوم عاجزة وفقيرة، بعد أن كانت بالأمس غنية وقديرة، فما ذلك إلا لأن المتكلمين بها قد انقطعوا عن مزاولة العلوم منذ قرون، ولأنهم حبسوا أذهانهم في دائرة ضيقة من الأدبيات والشرعيات، منصرفين إليها عن كل ما سواها، وكأني باللغة العربية قد ظلت

<<  <   >  >>