للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لنسرق هؤلاء اللصوص فإنهم لو تمكنوا منا لجرَّدونا من ثيابنا.

لنخرب ديارهم ونُيتم أطفالهم، فوالله إنهم لو حُكِّموا فينا لما فعلوا أقل من ذلك.

يجسِّد المتنبي هذا المنطق تجسيدًا بديعًا يستبد بالذاكرة ويجري مجرى الأمثال:

ومَن عَرَف الأيامَ معرفتي بها … وبالناس روَّى رُمحَه غيرَ راحمِ

فليس بمرحومٍ إذا ظَفِروا به … ولا في الرَّدى الجاري عليهم بآثم

يريد أن مَنْ عرف الناسَ حقَّ المعرفة - كمعرفته هو بهم - قتلهم غيرَ راحمٍ لهم؛ لأنهم إذا ظفروا بغريمهم لم يرحموه، فإذا قتلهم، إذن، فلا إثم عليه، على أنه إذا لم يبادر بقتلهم فإنهم ميتون حتف أنفهم على كلِّ حال!

•••

كان فرنسيس بيكون، الفيلسوف الإنجليزي الكبير، يتولى منصب قاضي القضاة في عهد جيمس الأول، وفي عام ١٦٢٠ تم عزله وإدانته بتقاضي رشاوى (في صورة هدايا) من كلا الطرفين المتنازعين في القضايا التي تولاها، وقد تعلَّل جميعُ كُتَّاب سيرته الذاتية بأن تقاضي هدايا من كلا الطرفين المتنازعين كان عُرفًا شائعًا على نطاقٍ واسع في ذلك العصر، ومن الدالِّ حقًّا في هذا الصدد أن بيكون نفسَه لم يستند إلى هذه الحجة حين تحدث في المحاكمة بالأصالة عن نفسه، بل قال ببساطة: «لا أُبرِّئُ نفسي، إنني لأعترف بصراحةٍ ووضوحٍ بأنني مذنبٌ بالفساد، وإنني لأرفض كل الدفوع، وإنما أناشد سيادتكم فحسب أن تأخذكم الرأفةُ بقصبةٍ منكسرة.»

[(٥) تسميم البئر Poisoning the well]

تلك المحاولة الدنيئة من جانبه لكي يشق الأرض من تحت قدمي - يسمِّم مقدمًا عقول الناس ضدي، أنا جون هنري نيومان، ويغرس في مخيلة قُرَّائي الشك والارتياب في كل شيء عساني قائله في الرد عليه، ذلك أسميه تسميم الآبار.

الكاردينال جون هنري نيومان

<<  <   >  >>