«النبوءة المحققة لذاتها» يتعرض فيه الناس لقواعد تتحكم في التجربة، وتحرمهم من المبادأة والابتكارية أو حرية الفعل … إن الأشخاص الذين يعاملون بهذه الطريقة يغلب أن يستجيبوا طبقًا لذلك، وطبقًا لنفس القواعد الوظيفية للسلوك كما تفعل الحمائم أو الفئران أو الأسماك، ويقرر زيمباردو أنه في الظروف المعيارية يستطيع القائم بالتجربة أن يفترض وجود استمرارية في السلوك، وقد خلقها بصورةٍ مصطنعة.» (١)
(٧) أثر المُجرِّب (القائم بالتجربة) experimenter effect
ثمة دلائل متزايدة على أن فرضية العالم السلوكي يمكن أن تعمل بمثابة «نبوءة محقِّقة لذاتها» من خلال عمليات تواصلٍ خفية دقيقة بين المجرِّب والمجرَّب عليه.
ذات يوم في هارفارد وجد عالم الاجتماع و. روزنثال نفسَه مدفوعًا إلى أن يعيد التحليل الإحصائي لبيانات رسالته للدكتوراه عن آلية «الإسقاط» الدفاعية الفرويدية، غير جادٍّ وغير مضطر، فوجد أن تحليله يومئ بشدة إلى أن فرضيته أو توقُّعه عما ينبغي أن تكون عليه استجابة مفحوصيه كان يُستَشَفُّ من جانبهم بطريقةٍ ما بحيث يُحتمَل أن تكون فرضيته قد صارت نبوءةً محققةً لذاتها! عكف روزنثال أكثر من ثلاثين عامًا على دراسة ما أسماه «أثر التوقع» expectancy effect أو «الأثر المُجرِّب» experimenter effects.
يروِي روزنثال قصةً مثيرةً عن تجربة بحثية أجراها تلاميذه على فئران متاهة، فقد أنبأ تلاميذَه أنه قد طوَّر سلالةً من الفئران حادة الذكاء يمكنها أن تجتاز المتاهة بسرعة، ثم دفع لهم بفئرانٍ عاديةٍ تمامًا على نحوٍ عشوائي، قائلًا لنصف التلاميذ إن لديهم الفئران «الذكية»، وللنصف الآخر أن لديهم الفئران «الغبية».
كانت النتيجة أن الفئران المزعوم ذكاؤها كانت تتحسن يومًا بعد يوم في اجتياز المتاهة، فكانت تجري بشكلٍ أكثر سرعةً ودقة، كانت الفئران «الغبية» تحرن عن نقطة البداية ٢٩? من الوقت، بينما كانت الفئران «الذكية» تحرن ١١? من الوقت فقط!
ربما كان التلاميذ يتعجَّلون ضغط زر المؤقِّت بعض الشيء في حالة الفئران «الذكية».
(١) لويس مليكة: «التحليل النفسي والمنهج الإنساني»، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، ١٩٩٠، ص ١٨٠ - ١٨١.