للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يحلل بيكون لفظة «القِدم» antiquity نفسَها، ويكشف تهافت فهمنا لها في هذا المقام، يقول بيكون في الشذرة ٨٤ من الكتاب الأول من «الأورجانون الجديد»: «إن توقير العصور القديمة، ونفوذ الرجال الذين حظوا بمكانة كبيرة في الفلسفة، والإجماع العام، كل أولئك أمورٌ عاقت الناسَ عن التقدم في العلم، وأسَرَتهم إلى حد كبير، أما عن الإجماع فقد تناولتُه فيما سبق، وأما عن الرأي الذي يرفع به الناسُ من قيمة القِدَم فهو رأي عقيم تمامًا ولا يكاد يتفق مع اللفظة؛ ذلك لأن كِبر العالَم وتقدمه في العمر هو ما ينبغي أن يُعتبر «قِدمًا» في حقيقة الأمر، وهذه هي الصفة المميزة لزمننا نحن لا للعمر المبكر للعالم في أزمنة القدماء، فإذا كان هؤلاء الأخيرون بالنسبة لنا قدماء مسنِّين فإنهم بالنسبة للعالم مُحدثون صغار، ولما كنا نتوقع من الشخص الأكبر معرفة أكبر بالشئون البشرية وحكمًا أنضج مما نتوقعه من الصغير، بفضل خبرة الكبير وبفضل كثرة، وتنوع، ما رآه وسمعه وتأمل فيه، فإن لنا أن نتوقع من عصرنا أمورًا أعظم مما نتوقعه من العصور القديمة، ما دام العالم قد تقدم في العمر وازدادت ذخيرتُه واكتنزت بما لا نهاية له من التجارب والملاحظات، وينبغي أيضًا أن نأخذ في اعتبارنا أن كثيرًا من الأشياء الجديرة بأن تُلقِي الضوءَ على الفلسفة قد اكتُشِفت، وأُميط عنها اللثام بفضل الرحلات والأسفار الطويلة التي زَخَرَت بها أيامُنا، إنه لَيكونُ مخزيًا حقًّا للجنس البشري أن تُستكشف أصقاعُ العالم المادي - الأرض، والبحر، والنجوم - وتُستظهر على هذا النحو المذهِل، بينما تَبقَى حدودُ العالم الفكري محصورةً في الكشوف الضيقة للقدماء.»

(٢) جراهام سَمنَر والمنشأ البدائي للتقاليد

الأعرافُ لا تحفز الفكر بل تثبطه … الأعراف ليست أسئلةً بل أجوبة.

سَمنَر

في مقاله الشهير «الأخلاق نسبية» يذهب عالم الاجتماع الأمريكي وليام جراهام سمنر إلى أن منهج المحاولة والخطأ، ومعيار اللذة والألم يتحكمان في اختيار الجماعات البشرية الأولى للطرق الأنسب عمليًّا لفعل الأشياء، أي الطرق التي يثبت نفعها، وكان الجميع في بداية الأمر يتبنون نفس الطريقة للوصول إلى نفس الغرض، ومِن ثَمَّ تحولت الطرق إلى عادات اجتماعية وأصبحت ظواهر جمعية … تتصف «الطرق الشعبية» folkways بالاطراد والشمول والطابع الآمر والثبات، وبمرور الزمن تزداد طبيعتُها التعسفية

<<  <   >  >>