للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الأمور الشائعة في عصرنا - ذلك الاستغلال للسلطة، المُسمَّى بالإعلان عن طريق الشهادة testimonial advertising، حيث يقوم نجوم الشاشة والرياضة ومعبودو الجماهير في مختلف الميادين بالإعراب عن إعجابهم بأنواع من السجائر والصابون وغير ذلك من السلع، ففي كل الأحوال تقريبًا لا تكون لهذه الأحكام أية قيمة مشروعة؛ لأن العلاقة بين من يصدر الحُكم وبين السلعة هي ذاتها العلاقة بين المستهلك العادي وبين هذه السلعة ذاتها، فعندما تعلن ممثلة السينما الآنسة «س» أنها تُدخِّن سيجارة من نوع «ص» وحده، فإنها لا تعبر دون شك إلا عن تفضيل شخصي، قد لا يكون أعمق في نقده أو تحليله من رأي المدخن العادي، والنتيجة الضمنية التي يودُّ المُعلِن أن يحملها إلى أذهان الجمهور هي أن ذوقها في السجائر على مستوًى يتناسب مع شهرتها من حيث هي شخصية من شخصيات الشاشة، أما مسألة كون المعلن ينجح في ذلك أم لا، فينبغي أن تُترك للمسئولين عن ميزانيات هذا النوع من الإعلان، فلا بُدَّ أن يكون أصحاب الإعلانات مقتنعين بأن الإهابة بسلطة النفوذ هي وسيلة مُربحة. (١)

(٣) إذا كان هناك خلاف بين الخبراء في المسألة المعْنِيَّة

في هذه الحالة تكون كل من الدعوى ونقيضها مدعمًا برأي بعض الخبراء الثقات، بحيث لا يعود ممكنًا حسم المسألة بمجرد الالتجاء إلى رأي الخبراء.

ثمة مجالات علمية كثيرة تعجُّ بالخلافات الداخلية بين أهلها حتى في المسائل المحورية والأسس الكبرى للتخصص، من هذه المجالات علم الاقتصاد، فقد يذهب بعض خبرائه الثقات إلى أن «العجز» هو العامل المفتاحي في مجال الاقتصاد بينما يذهب آخرون، ليسوا أقل خبرة، إلى العكس، من ذلك تمامًا، ومن المجالات المشهرة بالخلافات بين خبرائها علم النفس والطب النفسي، حيث نجد مدارس مصطرعة بينها شقاق حاد في تصور السواء والمرض وفي منهج التشخيص والعلاج.

يتبين من ذلك أن الخبير الذي يُحتكَم إليه في شأن من الشئون التخصصية قد لا يكون ممثلًا لرأي جميع الخبراء في ذلك المجال، والحق أنه في قطاعات كبيرة من البحث


(١) هنترميد: «الفلسفة، أنواعها ومشكلاتها»، ترجمة د. فؤاد زكريا، الطبعة الثانية، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، ١٩٧٥، ص ١٨٢.

<<  <   >  >>