للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنها النازي وغيره من ضروب الشوفينية البغيضة، وصارت تعني أن الأمة غايةٌ عُليا بمعزلٍ عن رخاء الفرد وصالحه، بمعنى أن هناك كائنًا عملاقيًّا قائمًا يسعد ويشقى ويصح ويمرض يُقال له «الأمة» نضحي من أجله بالأفراد ونذبحهم تقدِمةً لجلاله.

يقول سلفادور دي مادارياجا Salvador de Madariaga في تعليقه على هذا الاتجاه: «كلَّا وألف كلَّا، الغاية العليا هي الفرد، وينبغي ألا تكون للمؤسسات الجمعية سلطةٌ عليه إلا بقدر ما يلزم لنموه الفردي الخاص.» (١)

وكثيرًا ما يتحدث هواة السيكولوجيا عن «الأنا» ego و «الهو» id كأنها أنفسٌ بديلة تتناوب الأمر داخل الرأس (مثل «الشبح داخل الآلة» the ghost in the machine على حد تعبير جلبرت رايل ساخرًا من ثنائية ديكارت).

ويُشيِّئ أغلب الناس الحب وكأنه كائنٌ شبحيٌّ يتلبس المحب فيسهِّده ويُبليه، الحب ليس «جوهرًا» substance بل «علاقة» relation، ليس «كائنًا» بل انسجام كائنَين، ولعل هذا التشييء هو ما يجعل المحِبَّ يستسلم للحب ولا يرجو مهربًا من حبائله، ظنًّا منه أن الأمر برُمَّته قَدَرٌ لا فكاك منه، لقد سكن الحبُّ قلبَه وأقام به فكيف له أن يطرد هذا الساكن المقيم؟! ويظل المحب يسقط نموذجه الأنثوي المثالي على محبوبته الحقيقية «الأرضية» فيجعل منها إلهًا لا وجود له إلا في خياله، حتى إذا ما اقترب منها اقترابًا واقعيًّا خاب أملُه وأخنت عليه الحقيقة، وسقط على صخرة الواقع فشَجَّته بقدر ما علا بالمثال، وصدق فيه قول المتنبي:

مما أضرَّ بأهل العِشقِ أنهمُ … هَووا وما عرفوا الدنيا وما فطنوا

تَفْنى عيونُهُم دمعًا وأنفسهم … في إثر كلِّ قبيحٍ وجهُهُ حَسَن

[أمثلة أخرى]

(١) «الطبيعة تبغض الفراغ» (لاحظ أن الطبيعة لا تبغض شيئًا).

(٢) «أغراض الطبيعة دائمًا نبيلة، ومِن ثَمَّ ينبغي علينا أن نقبل بالطبيعة» (لاحظ أن الطبيعة لا أغراض لها).


(١) Sontage and Beddie، Nazi-Soviet Relations.New York: Didier، ١٩٤٨، p.VIII.

<<  <   >  >>