للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٥) كُتابنا والتفكير التشبيهي

من المؤسف حقًّا أن كثيرًا من كُتابنا ومتحدِّثينا الأكثر رواجًا وإقناعًا لا يفعلون في أغلب الأحيان أكثر من أن يُلبسوا أفكارَهم أثوابًا من الاستعارات والتشبيهات، قلنا إنه لا بأس بذلك البتة، وربما يكون ضرورة لتيسير الفهم وتقريب التناول، غير أنهم يظنون أن مهمتهم انتهت عند هذا الحد، ويتوهمون أنهم بهذه التشبيهات والمماثلات قد فرغوا من عبء البرهان وأثبتوا نظرياتهم بما لا يدع للشك مجالًا! الحق أنهم إذا أثبتوا شيئًا فإنما يثبتون أنهم ما زالوا سادِرين في التفكير البدائي «قبل المنطقي» pre-logical من حيث الولوع بمجرد الشبه وأخذه مأخذ البَيِّنة.

من طَلَبَ شَبَهًا وجده … ثمة دائمًا وجه شبهٍ بين أي شيئين من أشياء العالم مهما تباينا واختلفا، وإذا أدمن المرءُ التفكير التشبيهي فلن يُعجِزَه أبدًا أن يجد لكلِّ شيءٍ شبيهًا وأن يُقيِّض لكل شيءٍ مثلًا.

ومن طرائف ذلك أن لويس كارول قدَّم لقُرائه لغزًا عبثيًّا لا معنى له: ما وجه الشبه بين الغراب والمكتب؟! غير أنه لم يعدم من بين قُرَّائه من وجدوا أوجه شبهٍ كثيرة! منها ما كتبه إليه أحدُ القُراء من أن وجه الشبه بين الغراب والمكتب هو أن إدجار ألان بو كتب عن الأول وعلى الثاني! (wrote on both).

<<  <   >  >>