للنظرية والتأكد من غياب أي تناقض منطقي بين فروضها الأساسية، تبدأ مرحلة ثانية «شبه صورية» semiformal يتم فيها التمييز بين العناصر الإمبيريقية والعناصر المنطقية، أي فصل القضايا التي لها نتائج أو مترتبات إمبيريقية عن القضايا التي ليس لها، ذلك أن معظم النظريات تشتمل على عناصر «تحليلية» analytic «قبلية» a priori وأخرى «تركيبية» synthetic «بعدية» a posteriori، وبهذه الخطوة التمييزية يُبرز العالِم الصورةَ المنطقية للنظرية ويجعلها صريحة معلنة، ومن شأن التهرب من هذه الخطوة أن يؤدي إلى «أخطاء مقولية» category mistakes تؤدي بالعالِم إلى أن يسأل السؤال الخطأ، ويفتش عن معطيات إمبيريقية حيث لا توجد معطيات (فلعل النظرية كلها من قبيل «تحصيل الحاصل» tautology)، افترض ديكارت، على سبيل المثال، أن «النفس» جوهر بسيط مفكر (والجسم امتداد قابل للقسمة)، وأنها رغم اختلافها الجوهري عن الجسم فهي ليست حالَّة فيه حلول النوتي في السفينة بل متحدة به اتحادًا جوهريًّا، غير أنه في مواضع أخرى من كتبه يتحدث عن النفس كأنها حالَّة في الجسم مجرد حلول، واختار لها الغدة الصنوبرية مقامًا أو «قمرة قيادة» يحدث عبرها التأثير المتبادل interaction بين النفس والجسم، لقد سأل ديكارت السؤال الخطأ، وفتش في المكان الخطأ (الغدة الصنوبرية) عن شيء لا وجود له في هذا المكان!
[(٣) الخطأ المقولي في فهم الفن]
[(٣ - ١) الفن والحياة]
ليس الفن هو الحياة، وإلا لكان إضافةً عديمة النفع ولكان عبثًا لا حاجة لنا به.
سترثرزبيرت، زيف الواقعية
مهما تكن علاقته بالحياة فالفن غير الحياة! صحيح أنه ينبثق عن الإنسان ويشطأ من تربة الحياة، إلا أنه شأنه شأن كل كيان «انبثاقي» emergent - مستقلٌّ عن منشئه مغاير لأصله ولا يمكن «رده» إلى عناصره الأولى، الفن فن والحياة حياة، ومن يتعامل