للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيكون أبيض، فإذا حدث أن كان الدب القادم أبيض حقًّا فقد يُغرِيني ذلك بأن أقول إن مشاهدتي هذه تؤيد النظرية، ولكن الحقيقة أن هذه المشاهدة لا يمكن أن تُعد برهانًا نهائيًّا على صدق النظرية؛ ذلك لأن هناك احتمالًا سيظل قائمًا أبدًا بأن يأتي دب قادم في رَتَل الملاحظة غير أبيض، وإذا حدث هذا تكون هذه الملاحظة وحدها كافية لتكذيب النظرية بصفةٍ نهائية، هكذا يتبين لنا أن التأييد لا يحسم أمر النظرية بينما التكذيب يمكن أن يَكِيل للنظرية ضربةً واحدةً قاضية.

التكذيب إذن، وليس التأييد، هو معيار العلم.

أما عن التأييد فإن بوسع أي نظرية أن تجد لها ما شاءت من الأدلة التي تتسق معها وتؤيدها، وتزعم معظم النظريات التي تدعي الصفة العلمية أنها مشيدة أصلًا على أساس التفكير الاستقرائي؛ أي استقراء كل الحالات المعروفة واستخلاص تعميم يشملها جميعًا، وماذا يكون التأييد هنا سوى الإتيان بمزيد من نفس الصنف من الحالات؟! إن هذا من الوجهة المنطقية هو عُقم لم يأتِ بجديد، أما المنهج المُجدي عند بوبر فهو أن نفكر استنباطيًّا ونفتش عن حالات مفنِّدة للنظرية؛ لأن العثور على مثال مضاد واحد سيكون كافيًا للإجهاز عليها، أما إذا صمدت النظرية ستُعَد قوية وأهلًا بالأخذ بها باعتبارها أفضل فرضية متاحة آنيًّا.

[(٢) فرنسيس بيكون: المثال السلبي فوق المثال الإيجابي]

اقرأ واستمع: لا لكي تمارِي وتُفحِم، ولا لكي تعتقدَ وتُسلِّم، ولا لكي تظفر بحديثٍ أو قول، بل لكي تروز وتُمحِّص.

فرنسيس بيكون

يقول بيكون في «الأورجانون الجديد» Novum Organum: «من دأب الفهم البشري عندما يتبنى رأيًا (سواء لأنه الرأي السائد أو لأنه راقَه وأعجبه) أن يَقسِر كل شيء عداه على أن يؤيده ويتفق معه، ورغم أنه قد تكون هناك شواهد أكثر عددًا وثقلًا تقف على النقيض من هذا الرأي، فإنه إما أن يهمل هذه الشواهد السلبية ويستخف بها، وإما أن يختلق تفرقةً تُسوِّل له أن يزيحها وينبذها، لكي يَخلُص، بواسطة هذا التقدير السبقي المسيطر والموبق، إلى أن استنتاجاته الأولى لا تزال سليمةً ونافذة؛ ولذا فقد كان جوابًا وجيهًا ذلك الذي بَدَرَ من رجلٍ أطلعوه على صورةٍ معلقةٍ بالمعبد لأناسٍ دفعوا نذورَهم

<<  <   >  >>