ومن الحكايات الواقعية الشهيرة ما حدث في يناير عام ١٩٤٠: فقد كان ماركوس جرافي، داعية التعاون الأفريقي، يعاني سكتة دماغية نجا منها بالفعل، غير أنه فُوجئ بنعيه منشورًا بطريق الخطأ في جريدة شيكاغو دفندر، واصفًا إياه بأنه «انسحق وحيدًا مغمورًا»، فصُدم جرافي حين قرأ هذا النعي صدمةً شديدة أصابته بسكتة دماغية ثانية تُوفي على أثرها، وبذلك صدق النعي!
[(٤) كارل بوبر و «الأثر الأوديبي»]
وقد أشار كارل بوبر إلى هذه الظاهرة وأسماها «الأثر الأوديبي» Oedipal effect، بمعنى تأثير النظرية أو التوقع أو النبوءة على الحدث الذي تتنبأ به أو تصفه، إذ كانت السلسلة السببية التي أدت إلى قتل أوديب لوالده في الأسطورة قد بدأت بنبوءة «الوحي» بهذا الحدث، يقول بوبر في «عقم المذهب التاريخي»: « … أود أن أطلق اسم الأثر الأوديبي على تأثير النبوءة في الحادث المُتَنبأ به، أو على تأثير المعرفة عامةً في وقوع الحادث أو في منعه … ومن أمثلة التأثير المنعِي أن التنبؤ بأن سعر الأسهم سوف يأخذ في الارتفاع على مدى ثلاثة أيام، ثم يهبط بعدها سوف يدفع الناس إلى أن تبيع أسهمها في اليوم الثالث، وبذلك يهبط السعر ويكذب التنبؤ، نحن إذن في العلوم الاجتماعية بإزاء تفاعل شامل معقد بين المشاهِد والمشاهَد، بين الذات والموضوع، ومن المحتمل أن يكون لوعينا بوجود الاتجاهات التي قد تسبب في المستقبل حادثًا معينًا، ولإدراكنا أيضًا أن التنبؤ قد يؤثر هو نفسُه في الحوادث المتنبأ بها - من المحتمل أن تكون لكل ذلك آثاره في مضمون التنبؤ، وقد يكون من شأن هذه الآثار أن تخل بموضوعية التنبؤات وغيرها من نتائج البحث في العلوم الاجتماعية.»
[(٥) النبوءة المحققة لذاتها في البيولوجيا!]
ويقول بوبر في كتابه Unended Quest: «كنت أعتقد يومًا أن الأثر الأوديبي يميز العلومَ الاجتماعية عن العلوم الطبيعية، ولكن في البيولوجيا أيضًا، وحتى في البيولوجيا الجزيئية، كثيرًا ما تلعب التوقعات دورًا في إحداث ما كان متوقَّعًا.»